تتنوع الكيانات الاقتصادية في عالم الأعمال المعاصر بشكل كبير، حيث تتبنى كل منها استراتيجيات خاصة لتحقيق النجاح والنمو. من بين هذه الكيانات، تبرز نماذج تنظيمية تلعب دورًا حيويًا في تعزيز الاستثمارات وتوجيه الموارد. إن فهم هذه النماذج يمكن أن يسهم في توضيح كيفية تفاعل الشركات ضمن بيئاتها الاقتصادية المختلفة، وكيف تؤثر هذه التفاعلات في التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي.
تعريف الشركة القابضة Holding Company
تُعرف الشركة القابضة Holding Company بأنها الشركة الأم لمجموعة من الشركات الأخرى، وهي شركة مساهمة أو ذات مسؤولية محدودة، تهدف للسيطرة على شركات أخرى مساهمة أو ذات مسئولية محدودة تسمى الشركات التابعة Subsidiary Company، ويكون ذلك بامتلاك الشركة القابضة لأكثر من نصف رأس مال تلك الشركات أو بالسيطرة على مجلس إدارتها وسياستها، ولا تزاول الشركة القابضة أي نشاط تجاري إلى جانب إدارتها للشركات التابعة، ويمكن أن تملك الشركة القابضة أكثر من شركة.
تشرف الشركة القابضة على على أعمال ومسؤوليات الشركات التي تمتلكها أو التابعة لها، ويمكنها توظيف وإدارة المدراء بحسب الضرورة، لكن مدراء تلك الشركات مسؤولين عن عملياتهم الخاصة، ورغم أنها لا تدير العمليات اليومية للشركات التي تسيطر عليها إلا أنه يجب على المالكين فهم كيفية عمل هذه الشركات التابعة لهم لتقييم أداء الشركات وبناء توقعات للأداء بصورة مستمرة.
وبالرغم من هذه المكانة للشركة القابضة في قلب الشركات الأخرى إلا أنها لا تملك أي حرية لتأدية أي نوع من أنواع العمليات والنشاطات التجارية، وإنما تملك فقط أصولًا في شركة واحدة أو أكثر، وبعبارة أخرى فإن هذا النوع من الشركات يرتكز بصورة أساسية على السيطرة على أي شركة أخرى بوصفها شراكة محدودة أو شركة ذات مسؤولية محدودة، وعمومًا لن تتواجد الشركات القابضة من أجل شركات إنتاجية أو للخدمات والسلع وإنما من أجل امتلاك العقارات والعلامات التجارية وبراءات الاختراع والأسهم وغيره، وإذا كانت الشركة التابعة مملوكة بشكل تام للشركة القابضة فسوف تتحول لشركة تابعة مملوكة بالكامل Wholly-Owned Subsidiary.
تدعم الشركة القابضة الشركات التابعة لها من خلال تخفيض تكلفة الحصول على رأس المال وذلك لقوتها المالية الإجمالية، وذلك عن طريق إقتراض الشركة القابضة لتعيد بدورها إقراض الشركات التابعة لها بهدف إمدادها بالمال في حال عدم استطاعة الشركة التابعة الحصول على الأموال من مستثمرين أو بنوك.
كما يمكن أن تساعد الشركة القابضة حصول الشركات الصغيرة على تمويل بفائدة أقل مما لو حصلت عليه دون ضمان من الشركة القابضة، وغالبًا ما يكون المقرض راغبًا في تزويد المقترض بالتمويل في حال وافقت الشركة القابضة على ضمان القرض خوفًا من المخاطر التي ربما يواجهها في حال أصبحت الشركة متعثرة وغير قادرة على سداد ديونها.
على سبيل المثال، أسست الشركة التي كانت تعرف سابقا باسم جوجل Google شركة أم قابضة تحمل اسم ألفابيت Alphabet، والتي أُنشئت كي يكون لديها أنشطة جوجل الرئيسية إلى جانب بعض الاستثمارات. دفع هذا الهيكل الفريد عملاق الإنترنت إلى موقع الصدارة على قائمة أكبر عشر شركات قابضة في العالم، بقيمة تقدر بـ وقت كتابة المقال 586.06 مليار دولار.
أهمية الشركات القابضة
تتعدد أهداف الشركة القابضة، فيمكن أن يكون الغرض منها إدارة الشركات التابعة لها، أو المشاركة في إدارة الشركات الأخرى التي تسهم فيها وتأمين الدعم اللازم لها، أو استثمار أموالها في الأسهم وغيرها من الأوراق المالية، أو امتلاك العقارات اللازمة لمباشرة نشاطها، أو تقديم الكفالات والقروض والتمويل للشركات التابعة لها، أو امتلاك حقوق الملكية الصناعية من العلامات التجارية وبراءات الاختراع والصناعية وحقوق الامتياز وغيرها من الحقوق المعنوية واستثمارها وتأجيرها للشركات التابعة لها أو لغيرها، أو أي غرض آخر يتفق مع طبيعة هذه الشركة،
إحدى مميزات تشكيل الشركة القابضة هي أن الشركة القابضة يمكنها حماية نفسها إذا أفلست إحدى الشركات التابعة لها، فهي تتعرض للخسارة الرأسمالية وانخفاض في القيمة الصافية من الأصول أو الحقوق الملكية لكن الدائنين لا يستطيعون مطالبة الشركة القابضة مقابل أتعاب أو أي أجر ما في هذه الحالة، ويمكن للشركات الكبرى أن تضع أو تبني هيكلاً لنفسها لتكون شركة قابضة لديها شركة تابعة واحدة تحمل اسمها وتمتلك العلامة التجارية، وأخرى تملك معداتها، وأخرى تمتلك عقاراتها، وآخرون لتشغيل حقوق الامتياز التجاري، وبهذه الطريقة تكون كل شركة تابعة لديها مسؤولية قانونية ومالية محدودة إضافة إلى الشركة القابضة بذاتها، ويمكن بهذا الأسلوب أن تقل المسؤولية الضريبية وتحد منها.
عمومًا تتلخص أهمية وجود الشركات القابضة في النقاط الآتية:
- تقليل حجم المخاطر
تُعرف الشركات القابضة بأنها شركات محمية من المخاطر التي تواجه أنواع الشركات الأخرى، حتى أنها في القضايا المحكمية لا يمكن لأحد أن يدعي انتصاره في قضية ضد أي من تلك الشركات لعدم القدرة على إرفاق أي أصول لتلك الشركات. تستثمر الشركات القابضة في أكثر من مجال وأكثر من مشروع، وفي حالة فشل أي واحد منهم، فلا مشكلة، فهناك مشاريع وأرباح أخرى تعوض هذه الخسارة، بدلاً من خسارة رأس المال كله. وهذا يدعم مبدأ التنويع في الاستثمار الذي يعمل به المستثمرين، وهو عدم وضع كل رأس المال في مشروع أو استثمار واحد. لهذا الشركات الكبيرة تتحرك بدون مخاوف في الاستحواذ على شركات مختلفة أو بناء مشاريع جديدة، لأنها تعلم أن لديها مشاريع أخرى تجلب أرباح، فلا مانع من المخاطرة.
- المزايا الضريبية المدمجة
في حالة تقديم الإقرار الضريبي الموحد من قبل الشركة القابضة، فمن شأنه تقليل حجم الخسائر الواقعة على الشركات التابعة لها وبالتالي يقل حجم الفاتورة الضريبية على جميع الشركات. تستطيع شركة قابضة التحكم بالشركات ذات رأس المال الأصغر؛ وذلك عن طريق حصولها على نسبة 51% من الأسهم أو عن طريق شراء نسبة 25% من قيمة الشركة عندما تكون الملكية متنوعة. تستطيع الشركة القابضة تغيير إدارة الشركات التابعة لها بأي وقت، أو تؤثر برأيها في سياسة الشركة التابعة، مما يجعل قرارها محوريًا في معظم الأحيان، ولا تُدير الأعمال في هذه الشركات بنفسها بل تختار إدارة ذات كفاءة تراقب عملها وتحصل هي على الأرباح في النهاية.
- الأمان القانوني في حال الإفلاس
تكون الشركة القابضة غير مسؤولة بطريقة مباشرة عن أي شركة تابعة لها في حال وقوع أية مشكلة مثل الإفلاس وذلك تبعًا لمعظم القوانين الاقتصادية في العالم، إي أنه في حال خسرت أي شركة من هذه الشركات كل أموالها وأعلنت إفلاسها، لن تتمكن الجهات الدائنة أن تطالب الشركة القابضة بسداد أي أموال. أي أن الجهات الدائنة ستسيطر على كل ممتلكات ومعدات الشركة التابعة التي أفلست وحسب.
بهذا فإن الشركة القابضة الأم لا تخسر إلا رأس المال الذي استثمرته في هذه الشركة، ويمكن أن يحدث هبوط في سعر أسهم الشركة القابضة إن كانت مطروحة في البورصة، وهذا بحد ذاته عامل آمان كبير للغاية للشركات القابضة؛ لأن أقوى المستثمرين يعتمدون على هذا النمط في الاستثمار مثل العملاق وارن بافيت Warren Buffett في شركته بيركشاير هاثاواي Berkshire Hathaway.
مهام الشركة القابضة
تتعدد مهام الشركة القابضة التي تتمثل كالتالي:
- الإشراف على تقارير المصروفات والإيرادات للشركات التابعة لها.
- متابعة السياسات العامة لهذه الشركات وتشرف على إدارة الشركات التابعة لها.
- توفير الخدمات ورؤوس الأموال اللازمة لأي شركة تحتاج إليها من المجموعة.
- استثمار رؤوس الأموال المتوفرة في الشركة القابضة نفسها في السوق لتحقيق أعلى العائدات الممكنة.
كما تحتفظ الشركة القابضة بسلطة رسم معالم السياسة المالية التي يجب على الشركات التابعة تنفيذها، والتي ترتبط مثلًا بطرق تمويل استثماراتها أي اللجوء إلى القروض المصرفية أم إلى سوق الأوراق المالية (البورصة) أو كيفية توزيع الأرباح أي مقدار الاحتياطي الذي تحتفظ به الشركة ولا يُوزع أو يوظف اي فائض في الخزينة إذا وجدت من خلال إيداعها في حسابات مصرفية مقابل فوائد أم تشغيلها في البورصة إلا بإن من الشركة القابضة.
عيوب الشركة القابضة
على الرغم من أن الشركات القابضة مفيدة لأصحاب الأموال والمشاريع لأنها تساعدهم على التطور وزيادة الأرباح، إلا أنه هناك بعض العيوب لهذا النظام ومنها:
- تتحكم إدارة الشركة القابضة في كل شيء وتتخذ القرارات اعتمادًا على الأرباح فقط، مما يقلل حرية الإبداع والتطوير عمومًا.
- تتهرب الشركة القابضة من الضرائب أو تتحايل على القوانين في معظم الأحيان.
- تساعد أصحاب رؤوس الأموال الضخمة في زيادة أموالهم سريعًا مما يزيد الفجوات في طبقات المجتمع.
- تستغل الشركات القابضة نفوذها أحيانًا في السيطرة على القرارات السياسية في مجتمع الذي تعمل به.
- تعتمد الشركات القابضة الكبيرة على أساليب غير شريفة لضرب المنافسين لشركاتها في الأسواق.
- تعتمد الكثير من الشركات القابضة على نظام الاحتكار في خدمات وسلع معينة، وبهذا تتحكم بإجمالي السوق تقريبًا.
ولهذا يوجد حراك قوي في المجتمع الاقتصادي العالمي بتعديل قوانين الضرائب، وأيضًا بوضع آليات أفضل لحماية مبدأ التنافس النزيه في الأسواق.
كما توجد العديد من الدعوات لتفتيت الشركات القابضة الكبيرة، والتي أصبحت تسيطر على السوق في مجالات كثيرة خصيصًا في الخدمات التكنولوجية، والتي أصبحت المحور الأساسي في حياة البشر.
دور الشركات القابضة في تحسين اقتصاديات الدول
تلعب الشركات القابضة دورًا محوريًا في تحسين الحياة الاقتصادية للبلدان التي تنشأ بها، بالنظر إلى إمكانياتها الاستثمارية الضخمة، والتي تمكنها من ضخ كميات ضخمة من الأموال وتوظيفها في مشاريع كبيرة تحتاج مثل المشاريع الصناعية ومشاريع البنية التحتية التي تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة ضخمة.
كما تتميز هذه الشركات بقدرتها على تدويل أنشطة شركاتها التابعة عن طريق فتح فروع جديدة لها خلال العالم أو الاستحواذ على شركات توجد خارج حدود بلدانها الأصلية.
وتوزع الشركات القابضة العالمية مراحل عملية الإنتاج على عدة شركات تابعة تنتشر في مناطق متنوعة من العالم اعتمادًا على خطة إنتاجية شاملة معدة سلفًا تبعًا للميزات التنافسية لكل بلد، وتساهم الشركات القابضة بهذا الشكل في تعميق عملية الاندماج أو التكامل الاقتصادي العالمي و تشبيك المصالح بين بلدان البعيدة جغرافيًا.
اكتسبت الشركات القابضة مكانة سياسية مهمة على صعيد بلدانها نظرًا لقوتها الاقتصادية، بل حتى على مستوى العالم بالنسبة للشركات القابضة العالمية، مما جعلها مؤهلة للتأثير في صناعة القرار السياسي الوطني والدولي بالطريقة التي تراعي حماية مصالحها ويلائم أهدافها.
الخاتمة
تعرفنا على الشركة القابضة Holding company وهي الشركة الأم، وتكون ذات مسؤولية محدودة تهدف إلى السيطرة على شركات أخرى مساهمة، وتتعدد أهداف الشركة القابضة، فيمكن أن يكون الغرض منها إدارة الشركات التابعة لها، أو المشاركة في إدارة الشركات الأخرى التي تسهم فيها وتأمين الدعم اللازم لها، أو استثمار أموالها في الأسهم…إلخ، إحدى مميزات تشكيل الشركة القابضة هي أن الشركة القابضة يمكنها حماية نفسها إذا أفلست إحدى الشركات التابعة لها، وتدعم الشركة القابضة الشركات التابعة لها من خلال تخفيض تكلفة رأس المال وذلك لقوتها الإجمالية، وتعرفنا على مثال واقعي منها.