تُعد عمليات الاستحواذ الإداري Management Buyout في عالم تمويل الشركات بمثابة مناورة استراتيجية تعيد تشكيل هيكل ملكية الشركة، ويُنظر إلى عمليات الاستحواذ الإداري غالبًا على أنها معاملة مالية معقدة ودقيقة، إذ تتضمن حصول فريق الإدارة الحالي للشركة على حصة كبيرة أو ملكية كاملة للشركة.
سنتعرف في هذا المقال على تعقيدات عمليات الاستحواذ على الإدارة، ودوافعها، وعملياتها، والتأثير الذي يمكن أن تحدثه على كل من فريق الإدارة والمشهد العام للشركة.
فهم عمليات الشراء الإدارية Management Buyout
يحدث الاستحواذ الإداري عندما يكتسب فريق الإدارة الحالي حصة ملكية الشركة التي يديرونها، وتكون غالبًا بالتعاون مع مستثمرين خارجيين أو مؤسسات مالية، ويمكن أن يتخذ هذا التحول في ديناميكيات الملكية أشكالًا مختلفة تتراوح من شراء حصة الأغلبية وصولًا إلى الاستحواذ الكامل على الشركة، ويسعى فريق الإدارة الاستحواذ الإداري لأسباب مثل الرغبة في الحصول على قدر أكبر من الاستقلالية، أو إعادة التموضع الاستراتيجي، أو إطلاق القيمة التي يمكن ألًا تتحقق بالكامل في ظل الملكية الحالية.
يُعرف الاستحواذ الإداري أو الإدارة بشراء حصص الأسهم بأنه معاملة يشتري فيها فريق إدارة الشركة أصول وعمليات الشركة التي يديرونها، ويُشار إليه اختصارًا MBO. يجذب الاستحواذ المدراء المحترفين، ويعود ذلك لمكافآته المحتمَلة العالية، بالإضافة إلى امتلاكها قدر كبير من التحكم في عمليات الشركة، نظرًا لأن فريق الإدارة يصبح من أصحاب الشركة وليس مجرد موظفين فيها.
كيف يعمل الاستحواذ الإداري؟
ينظر لعمليات الاستحواذ الإداري بأنها استراتيجية التخارج المفضلة لدى الشركات الضخمة التي لديها رغبة في بيع أقسام لا تشكل جزءًا أساسيًا من عملياتها، أو الشركات الخاصة يريد أصحابها التقاعد. يكون التمويل المطلوب للاستحواذ الإداري كبيرًا، ويكون أيضًا خليطًا من الدين والأسهم المأخوذة من المشترين والممولين عادةً، أو من البائعين أحيانًا.
تحصل الإدارة بعد الاستحواذ الإداري على مزايا الملكية، ولكن يجب أن ينتقلوا من كونهم موظفين إلى مالكين، وتحمل هذا الخطوة معها مسؤوليات إضافية، واحتمالية التعرض لخسائر أكبر.
إحدى الأمثلة عن الاستحواذ الإداري هي عندما دفع مؤسس شركة ديل للحاسوب في عام 2013 حوالي 25 مليار دولار كجزء من الاستحواذ الإداري على الشركة التي أسسها في الأصل، وحول الشركة بعدها إلى شركة خاصة، لكي يتمكن من التحكم في توجهات الشركة.
دوافع عمليات الاستحواذ على الإدارة
هناك مجموعة من الدوافع للاستحواذ على الإدارة، وهي:
- استقلالية ريادة الأعمال
تكمن الرغبة في استقلالية ريادة الأعمال في قلب العديد من عمليات الاستحواذ على الإدارة، وربما يطمح قادة الشركات، الذين صقلوا مهاراتهم وخبراتهم ضمن حدود الهيكل الحالي، إلى رسم مسارهم الخاص، ويوفر لهم الاستحواذ الإداري فرصة لتولي زمام الأمور، واتخاذ قرارات استراتيجية بطريقة مستقلة، وتكوين مصير الشركة التي يعرفونها عن كثب.
- التوافق الاستراتيجي
تُشكل الاختلالات بين الرؤية الإستراتيجية للإدارة الحالية وهيكل الملكية الحالي قوة دافعة وراء الاستحواذ الإداري، فيمكن أن يعتقد فريق الإدارة أن رؤاه الإستراتيجية لا تحظَ بالتقدير الكامل أو لا تتماشى مع أهداف أصحاب المصلحة الخارجيين، ويمكنهم الاستحواذ على الأعمال من تنفيذ رؤيتهم دون القيود التي تفرضها الأهداف المنحرفة.
- توضيح القيمة الجوهرية للشركة
ترى فرق الإدارة في بعض الحالات أن القيمة السوقية للشركة لا تعكس قيمتها الجوهرية الحقيقية، وتُعد تعقيدات العمل التي تفهمها الإدارة عن كثب يمكن ألّا يفهمها المساهمين الخارجيين بالكامل، وتسعى الإدارة إلى إطلاق العنان للقيمة الكامنة التي يعتقدون أنها موجودة داخل الشركة والتقاطها من خلال الاستحواذ الإداري.
- فرصة للابتكار والتغيير
تنشأ عمليات الاستحواذ على الإدارة غالبًا عندما تعتقد القيادة الحالية أن الابتكار والتغيير الكبير ضروريان لنمو الشركة واستدامتها، فيمكن أن يرى فريق الإدارة الحالي، والذي يعلم بالفروق الدقيقة في العمل عن كثب، فرصًا يتجاهلها الآخرون. يوفر الاستحواذ الإداري منصة لتنفيذ التغييرات التحويلية دون مواجهة مقاومة من الملكية الخارجية.
يمكن أن تسعى فرق الإدارة المتجذرة بعمق في ثقافة الشركة إلى الحصول على الاستحواذ الإداري لتعزيز ثقافة الابتكار، ويصبح بوسعهم تنفيذ التغييرات التي تعمل على تعزيز الإبداع، وخوض المخاطر، وسرعة الحركة، وتعزيز بيئة مواتية للإبداع من خلال اكتساب السيطرة.
- مواءمة الأهداف الشخصية والمهنية للموظفين
تتلاقى التطلعات الشخصية والمهنية في السعي لتحقيق الاستحواذ الإداري بالنسبة لبعض فرق الإدارة، وتتوافق فرصة امتلاك وقيادة مشروع تجاري مع أهدافهم المهنية طويلة المدى وطموحاتهم الشخصية، ويُعد احتمال بناء إرث وترك تأثير دائم على الشركة يصبح حافزًا مقنعًا.
تكون مصالح فريق الإدارة والموظفين متشابكة بطريقة وثيقة غالبًا، إذ يسمح نظام الإستحواذ الإداري للإدارة بمواءمة مصالح الموظفين الرئيسيين مع هيكل الملكية، مما يعزز الشعور بالمسؤولية الجماعية والالتزام.
- إعادة هيكلة الشركات والتحول
يمكن أن يكون الاستحواذ الإداري خطوة استراتيجية عندما تواجه الشركة ضائقة مالية أو ضعف في الأداء من أجل إعادة هيكلة الشركة وتحولها، ويستطيع فريق الإدارة الحالي المسلح بفهم عميق لعمليات الشركة من تنفيذ تغييرات مستهدفة لتنشيط الأعمال.
- تنفيذ الرؤية طويلة المدى
يمكن أن تجد فرق الإدارة التي لديها رؤية طويلة المدى للشركة أن متابعة الاستحواذ الإداري هي الطريقة الأكثر فعّالية لتنفيذ تلك الرؤية، ويمكن أن يركز أصحاب المصلحة الخارجيين على المكاسب قصيرة المدى، بينما تسعى الإدارة إلى تنفيذ استراتيجيات تؤدي إلى نجاح مستدام وطويل الأجل.
الفرق بين الاستحواذ الإداري وشراء مستثمر خارجي لحصة مسيطرة في الشركة
يختلف الاستحواذ الإداري عن شراء مستثمر خارجي لأي حصة مسيطرة في الشركة Management Buy-in MBI، لأن الاستحواذ الخارجي هو عندما يستحوذ فريق إدارة خارجي على الشركة ويحل محل فريق الإدارة الحالي، كما يختلف أيضًا عن الاستحواذ الإداري بالرفع المالي LAMBO، إذ يستعمل الزبائن أصول الشركة كضمان للحصول على تمويل الدين.
يتميز الاستحواذ الإداري عن شراء المستثمر الخارجي لحصة مسيطرة، إذ يكّون الاستحواذ الإداري من خلال المدراء الحاليين الذين لديهم فهمًا أفضل بكثير لطريقة عمل الشركة، وغير مجبرين على تعلم الأمور من البداية، وهذا الذي يحدث إذا كانت إدارة حديثة ستتولى مقاليد الأمور في الشركة. تنفذ فرق إدارة عمليات الاستحواذ الإداري عندما تريد الحصول على مكافأة مالية من التطورات المستقبلية في الشركة مباشرةً أكثر مما يحصلون عليه لو كانوا مجرد موظفين.
مميزات الاستحواذ الإداري
تنظر صناديق التحوط Hedge Funds وكبار الممولين إلى عمليات الاستحواذ الإداري كفرص استثمارية جيدة، ويحفزون الشركة عادةً على التحول إلى شركة خاصة لكي تتمكن من تبسيط عملياتها، وتحسين أرباحها بعيدًا عن أعين العامة، ثم التحول إلى شركة عامة وطرح أسهمها في البورصة في مرحلة تالية بعد ارتفاع قيمتها بنسبة عالية.
إذا كان الاستحواذ الإداري مدعومًا بصندوق استثمار أسهم خاص، سيدفع الصندوق سعرًا مقابل الأصل نظرًا لثقته العالية في تواجد فريق إدارة متخصص ومخلص في الشركة، ويمكن أن تشارك صناديق استثمار الأسهم الخاصة في عمليات الاستحواذ الإداري، ولكنها تفضل شراء مستثمر خارجي لحصة مسيطرة في الشركة أكثر، لأن الشركات سيديرها مدراء معروفين بالنسبة لهم عوضًا عن فريق الإدارة المحلي.
عيوب الاستحواذ الإداري
لا يخلو الاستحواذ الإداري من العيوب أيضًا، فبينما أن فريق الإدارة سيتمكّن من حصد مزايا الملكية، إلا أنهم يجب أن ينتقلوا من كونهم موظفين إلى مُلاك، وسيضطرون إلى تغيير عقليتهم في الإدارة وتحولها إلى عقلية ريادة الأعمال، وممكن ألّا ينجح بعض المدراء في هذا الانتقال لأن عقلية رائد الأعمال مختلفة عن المدير.
إذا كان فريق الإدارة جاد في محاولته لشراء الأصول أو العمليات المطروحة للبيع، فسيواجه المدراء تضارب مصالح، أيّ ربما يجعلون شأن النمو المستقبلي منخفض للأصول المطروحة للبيع أو يخربونها عن قصد ليتسنى لهم شراؤها بسعر منخفض.
الخاتمة
تعرفنا على الاستحواذ الإداري بانها معاملة يشتري فيها فريق إدارة الشركة أصول وعمليات الشركة التي يديرونها وتعرفنا كيف يعمل الاستحواذ الإداري والفرق بين الاستحواذ الإداري وشراء مستثمر خارجي حصة مسيطرة في الشركة على مميزات وعيوب الاستحواذ الإداري.
تشتمل عمليات الاستحواذ على الإدارة على تفاعل ديناميكي بين الطموح والرؤية والبصيرة الاستراتيجية، إذ تتنوع الدوافع الكامنة وراء هذه المعاملات مثل الشركات التي تسعى للاستقلالية، أو الرغبة في الكشف عن القيمة المخفية للشركة، أو الالتزام بتعزيز الابتكار، تكون فرق الإدارة التي تُجري عمليات الاستحواذ مدفوعة بمزيج قوي من الفطنة المهنية والتطلعات الشخصية، فمع استمرار الاستحواذ الإداري في تشكيل المشهد المؤسسي، إلا أن الدوافع التي استكشافها توفر نظرة ثاقبة لعمليات صنع القرار المعقدة التي تدفع قادة الشركات إلى تولي ملكية مصائرهم.