يُشير مصطلح اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة Throw-Away Economy إلى السلع الاستهلاكية التي تدوم لمدة قصيرة فقط وتُستبدل بواحدة جديدة في حال لن تعود صالحة للاستعمال، وهو على عكس الاقتصاد ذي الموارد المحدودة الذي نتوقع من المنتج الذي نشتريه العمل لمدة طويلة بل ونُصلحه إذا لزم الأمر.
كان أجدادنا يخيطون الجوارب عندما تثقب، أما في هذه الأيام فمن المنطقي أكثر أن نرميه ونشتري زوجًا جديدًا رخيصًا عوضًا عنه، فإذا كان متوسط الدخل هو 10 دولارات في الساعة، فلماذا نقضي نصف ساعة في رتق جوارب نستطيع شراء بديل لها بـ 3 دولار فقط؟
كانت الأجور في الماضي منخفضة جدًا موازنةً بأسعار السلع والخدمات، فعندما يكون الأجر لا يتعدى دولارًا واحدًا في الساعة عندها سيستحق الأمر قضاء نصف ساعة في رتق الجورب عوضًا من شراء زوج جديد بسعر يساوي أجر ثلاث ساعات عمل، ولذلك فإن رفع الأجور الحقيقية ساهم في نشر اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة.
محلات الصيانة
انتشرت محلات الصيانة في الماضي كثيرًا، فإذا تعطل التلفاز أو أي جهاز إلكتروني كُنا نسعى لإصلاحه، بينما اليوم إذا تعطل التلفاز فعلى الأغلب سنتخلص منه ونشتري تلفازًا جديدًا لأنه لم يعد باهظ الثمن، يعتمد الكثيرون على استبدال الأجهزة المعطوبة بأخرى جديدة، نظرًا لتوفر الأسعار المنخفضة والتطورات المستمرة في عالم الإلكترونيات. ومع تسارع وتيرة التقدم التكنولوجي، يتحول معظم أجهزتنا اليومية إلى قديمة الطراز في وقت قصير، مما يعزز الحاجة إلى تبديل الأجهزة بشكل أكبر من إصلاحها.
منتجات رديئة بأسعار منخفضة
تشكل المنتجات الرديئة بأسعار منخفضة مشكلة شائعة تواجه العديد من المستهلكين، حيث يؤدي انخفاض السعر في كثير من الأحيان إلى تراجع الجودة. بينما يُغري السعر المنخفض البعض بشراء هذه المنتجات على أمل تحقيق وفرة مالية، فإن النتائج تكون عادة مخيبة للآمال. هذه المنتجات قد تعمل لفترة قصيرة، لكنها سرعان ما تتعطل، مما يدفع المستهلك إلى تكرار الشراء واستبدالها بمنتجات جديدة. وبمرور الوقت، يتضح أن الأموال التي يتم إنفاقها على المنتجات الرخيصة تتجاوز ما كان يمكن دفعه للحصول على منتج عالي الجودة من البداية. في النهاية، يؤدي الاعتماد على السلع الرخيصة إلى هدر الوقت والمال، ويعزز من دورة الاستهلاك المتكرر للمنتجات ذات الجودة المنخفضة.
ظهرت هذه المنتجات منخفضة الجودة بسبب استغلال اقتصاديات وفورات الحجم، والنوعية الجيدة، بل وتساعد أيضًا في خفض نسبة التضخم، لكن بالرغم من هذا تبقى لها مساوئها، إذ يقود التركيز على السعر المنخفض للنوعية الرديئة، ويشجع على انتشار اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة، ففي حال تعطّل منتج ما فإننا نرميه ببساطة ونشتري واحدًا جديدًا.
فوائد اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة
يشجع اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة على الإنتاج الضخم ووفورات الحجم، ويوفر البضائع الرخيصة الملائمة لكل الشرائح، ومن ناحية أخرى لا يوجد ما يمنعك من إصلاح أغراضك إذا رغبت بذلك.
يركز بعض مؤيدي اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة على فوائد معينة، لكن من المهم الاعتراف بأن هذه المزايا غالبًا ما تكون قصيرة الأجل وتأتي مع تكاليف بيئية واجتماعية كبيرة على المدى الطويل، وفيما يلي بعض الفوائد المذكورة الأكثر شيوعًا:
- الراحة والتكلفة الرخيصة
توفّر المنتجات التي تُستخدم لمرة واحدة الراحة لأنها مصممة للاستخدام مرة واحدة مما يلغي الحاجة إلى التنظيف والصيانة والالتزام طويل الأمد، قد يجذب ذلك الأفراد المشغولون أو أولئك الذين يبحثون عن حلول سريعة للاحتياجات العاجلة.
تلبي المنتجات التي تُستخدم لمرة واحدة احتياجات المستهلكين ذوي الميزانية المحدودة، وذلك لأنها غالبًا ما تكون أرخص من المنتجات المعمّرة، خاصةً عندما تكون الأموال محدودة.
- تشجيع الابتكار والتنوّع وخلق فرص العمل
يعزز اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة تصرف الابتكار المستمر إذ تسعى الشركات إلى إنشاء منتجات جديدة لتلبية الاتجاهات قصيرة المدى ومتطلبات المستهلكين، وتؤدي هذه الدورة المستمرة من الابتكار إلى مجموعة واسعة من المنتجات والخيارات للمستهلكين.
يؤدي إنتاج المواد التي يمكن التخلص منها وتوزيعها إلى خلق فرص عمل في مختلف الصناعات، وتستفيد قطاعات التصنيع والتعبئة والنقل والتجزئة من الطلب على هذه المنتجات.
- تعزيز الإنفاق الاستهلاكي للأفراد وتنشيط الاقتصاد
يُحفّز اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة الإنفاق الاستهلاكي إذ يشتري الأفراد سلعًا جديدة دوريًا، ويدعم الدوران المستمر للمنتجات النمو الاقتصادي على المدى القصير ويساهم في ارتفاع مستويات الاستهلاك.
كما توفر المنتجات التي تستخدم لمرة واحدة حلاً مرنًا وقابلاً للتكيّف مع الاحتياجات والظروف المتغيرة، على سبيل المثال، غالبًا ما يتم تفضيل العناصر ذات الاستخدام الواحد في بعض الصناعات التي يكون فيها الحفاظ على النظافة ومنع التلوث أمرًا بالغ الأهمية.
- انخفاض تكاليف الصيانة والإصلاح
لا تحتاج المنتجات ذات الاستخدام لمرة واحدة للصيانة أو الإصلاح المستمر، ويستغرق هذا الأمر وقتًا طويلاً وتكاليف إضافية، ويكون هذا مفيدًا خاصةً عند محدودية الوقت والموارد محدودين.
بالإضافة إلى ذلك تعد المنتجات التي تستخدم لمرة واحدة لكن في سياقات الرعاية الصحية والصناعات الغذائية ضرورية للحفاظ على معايير النظافة وتقليل مخاطر التلوث والعدوى.
تكاليف الاعتماد على اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة
يعترض اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة العديد من العواقب، فعوضًا عن امتلاكنا منتجًا واحدًا جيد النوعية يدوم لفترة طويلة، سنضطر لشراء منتجات جديدة كل فترة، ويؤثر هذا على البيئة بسبب استخدام المزيد من الموارد الشحيحة أصلًا وزيادة تكاليف النقل.
يترتب على اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة تكاليف خارجية، فبالرغم من حصولنا على المنتجات بسعر دولار واحد سنضطر لاستبدالها لأننا نستهلكها بسرعة، لذلك سنستنزف مواردنا بطريقة أسرع من اللازم، ويشجع هذا الشركات على إنتاج بضائع ذات نوعية رديئة، في الماضي عندما يتعطل أي شيء من الطبيعي جدًا تقديم شكوى للشركة المصنعة، أما اليوم فمن الأسهل رميه وشراء آخر جديد.
أما بالنسبة للشركات فليس من صالحها إنتاج فتاحة علب جيدة لأن سعرها سيصل إلى 10 دولارات وسيصعب بيعها بهذا السعر حتى لو كانت مكفولة لمدة 40 عامًا.
يظهر السعر الرخيص واضحًا للعيان ويجذب المستهلك، بينما لا تظهر المتانة والجودة بنفس الوضوح، مما يدفع الشركات لإنتاج البضائع الرخيصة التي ترضي المستهلك.
كما أن هذه المنتجات تشجع على الكسل، فبدلاً من غسل الأطباق، أصبحنا نشتري صحونًا وأكوابًا بلاستيكية ونزيد من النفايات بهذه الحركة، كما أننا لم نعد نشعر بقيمة ما لدينا، قال أحد الأشخاص أن مطبخ جدته كان مذهلًا، فكل ما فيه كان عمره 50 عامًا، لنتخيل معًا مقلاة تدوم ل 50 عام، وحافظت الجدة على الأكواب وعلى كل شيء في هذا المطبخ بطريقة رائعة، وعاشت هذه الجدة في عصر لم تكن فكرة الاستعمال السريع موجودة فيه، وعنايتها بأغراضها ودوامها طوال هذه المدة مبهر فعلًا، وهذا أمر يفتقده جيلنا الحالي.
الخاتمة
تعرفنا على اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة والذي بيّن لنا الفروق في كيفية استخدام السلع بين الماضي والحاضر، ونسبة جودة المنتجات التي نشتريها، وبيّن كيفية عمل هذا الاقتصاد، وعلى ماذا يتمحور وكيف أننا لا نستطيع الاستغناء عنه رغم رداءته.
ختامًا تبدو هذه الفوائد جذابة، لكن لا بد من الانتباه إلى عيوب اقتصاد الاستعمال لمرة واحدة، مثل التدهور البيئي، واستنزاف الموارد، وعدم المساواة الاجتماعية، وغالبًا ما تفوق المزايا على المدى القصير.
يتزايد الاعتراف بأن التحوّل نحو اقتصاد دائري أكثر استدامة أمرًا ضروريًا لمواجهة هذه التحديات طويلة الأجل، وينطوي هذا التحوّل على إعطاء الأولوية للمتانة، وقابلية إعادة الاستخدام، والممارسات المسؤولة بيئيًا لخلق نهج أكثر توازنًا واستدامةً للاستهلاك والإنتاج.