يمثل قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ركيزة اقتصادية أساسية في الاقتصاد الرقمي، وتتفق الكثير من الدراسات أن الاستثمار بطريقة سليمة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يُولّد منافع هائلة ينعكس على نمو الاقتصاد وقطاعات الخدمات المتنوعة مثل الصحة والتعليم …إلخ، لذا يجب تطويرها لإنشاء مؤشرات ملائمة لقياس مساهمة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في نمو الاقتصاد الوطني.
تأثير الاقتصاد الرقمي في المجال الاقتصادي
تتعمق مزايا التكنولوجيا الرقمية لتلامس الاقتصاد برمته، ففي قطاع الأعمال، يشجّع الإنترنت على اندماج الشركات في الاقتصاد العالمي عن طريق توسيع نطاق التجارة ورفع إنتاجية رأس المال وتكثيف المنافسة في السوق.
تخلق التكنولوجيا الرقمية فرصًا لتسريع النمو، وتخفيض التكاليف والتفوّق على المنافسين، لكن يوجد نقص في البيانات الإحصائية لقياس أثر الاقتصاد الرقمي ونموه في المنطقة العربية على عكس البلدان المتقدمة، على الرغم من تطوير قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بطريقة مقبولة في المنطقة العربية خلال الأعوام الأخيرة.
كما توجد مساهمة لهذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي لعدة دول عربية تتراوح بين 0.6 و 6% خلال السنوات الأخيرة الماضية، على الرغم من عدم توفر بيانات عن إيرادات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات فيها، وتأتي هذه المساهمات من الاتصالات، ويعود ذلك إلى تركّز القيمة المضافة لقطاع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في البلدان العربية في خدمات الاتصالات، إذ تصل هذه النسبة عمومًا إلى 80% من مجموع القيمة المضافة للقطاعات في الكثير من البلدان النامية، موازنةً مع 30% في الاقتصادات المتقدمة لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، وتتوزع النسبة المتبقية من المائة على خدمات تكنولوجيا المعلومات غالبًا مثل الأجهزة وبرامج الحاسوب.
تأثير الاقتصاد الرقمي في المجال الاجتماعي
يعبّر الأثر الاجتماعي عن مدى تأثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الحصول على الخدمات الأساسية، مثل الخدمات الصحية والتعليمية والمالية، وتشجيع الاندماج الاجتماعي، وزيادة فرص العمل، والربط بين المجتمعات، وتقليل أوجه عدم المساواة، كما يؤثر التحول الرقمي للحكومات تأثيرًا إيجابيًا على المجتمعات، بما في ذلك رقمنة المعلومات وجعل الخدمات ذاتية التشغيل، ويساعد استعمال التكنولوجيات الرقمية مثل الحوسبة السحابية والإنترنت بالمنطقة العربية على تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتصلة بالنقل والبيئة والصحة.
إقرأ أيضًا: ما هو النمو الاقتصادي الاخضر Green Growth؟
تحديات الاقتصاد الرقمي بالمنطقة العربية
تواجه الدول العربية العديد من التحديات التي تعرقل عملية التحول الرقمي، وهو أمر يعيق تحقيق النمو والتطور الاقتصادي في المنطقة. على الرغم من أن لكل دولة عربية أولويات وتحديات فريدة، إلا أن هناك العديد من المجالات المشتركة التي تتطلب تضافر الجهود للتغلب عليها.
يمكن تصنيف هذه التحديات إلى أربع مجالات رئيسية:
- رقمنة الحكومة: تعاني معظم الدول من نقص البنية التحتية الرقمية اللازمة لتقديم الخدمات الحكومية عبر الإنترنت بفعالية. هذا النقص يشمل شبكات الاتصالات وتوافر الإنترنت السريع، مما يحد من قدرة المواطنين على الوصول إلى الخدمات الحكومية الرقمية.
- توفير التمويل، يواجه التحول الرقمي عقبات مالية كبيرة. تحتاج الحكومات والشركات إلى استثمارات ضخمة في التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية، إلا أن الحصول على التمويل الكافي يمثل تحديًا مستمرًا، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها بعض الدول العربية.
- الابتكار والقدرات البشرية، تعاني المنطقة من نقص في المهارات التقنية والابتكارية بين القوى العاملة. هذا النقص يعزى إلى ضعف نظم التعليم والتدريب المهني في مجالات التكنولوجيا الرقمية، مما يؤدي إلى فجوة بين الاحتياجات المتزايدة للتحول الرقمي والقدرات المتوفرة.
- شركات القطاع الخاص، حيث تواجه الشركات صعوبة في التكيف مع التحول الرقمي بسبب بيئة الأعمال غير المستقرة وعدم وجود دعم كافٍ من السياسات الحكومية. كما تواجه الشركات الناشئة تحديات كبيرة في التمويل والتوسع، مما يعيق نموها ومساهمتها في الاقتصاد الرقمي.
لتجاوز هذه التحديات، تحتاج الدول العربية إلى استراتيجيات شاملة ومتكاملة تشمل تطوير البنية التحتية الرقمية، تحسين نظم التعليم والتدريب، توفير حوافز مالية وتشريعية للشركات، وتعزيز التعاون الإقليمي لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات. بتحقيق هذه الخطوات، يمكن للدول العربية أن تتجاوز العقبات الراهنة وتحقق تحولًا رقميًا ناجحًا يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي.
يُعد تسريع جهود الرقمنة في المنطقة العربية مهمًا جدًا في ظل الأزمات المتلاحقة التي يعيشها العالم وانخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في إجمالي العالم، وذلك عن طريق إعادة تقييم الأولويات وإعطاء قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأولوية، مثل توفير البنية التحتية للاتصالات السريعة ونشر التكنولوجيا من أجل دعم التحول الرقمي الذي يُشكّل إحدى أهداف التنمية المستدامة.
يجب على الدول العربية الاستثمار في عملية التحول الرقمي، مع التركيز على تنمية رأس المال البشري ودعم الابتكار في المجالات التكنولوجية، ولاسيما في ظل نقص المهارات والكفاءات الرقمية، وذلك عن طريق زيادة نسب الإنفاق على البحوث والتطوير وبرامج بناء القدرات التي تستهدف الأعمال وتطوير فرص العمل في التقنيات الحديثة وتطوير المجتمع، بما في ذلك التعلم الآلي والذكاء الصنعي وإنترنت الأشياء وغيرها من التكنولوجيات الحديثة والناشئة.
يترتّب على الحكومات العربية توفير السياسات والتدابير القانونية واتخاذ خطوات حاسمة لحماية البيانات الحساسة وخصوصية الأشخاص والحد من هجمات الإنترنت والجرائم الإلكترونية، في ظل تنامي المخاطر التي أدخلتها التقنيات والتطبيقات الحديثة، ومن ضمنها المخاطر الأمنية Security Risks، ونقص التشريعات اللازمة للتعامل مع هذا النوع الجديد من الاقتصاد بالدول العربية ونقص الثقافة الرقمية لدى المواطن، لضمان تجربة تحول رقمي آمنة في جميع المجالات، يُعدّ غياب المبادرات الإقليمية المشتركة من أهم التحديات التي تواجه التحول الرقمي في المنطقة، إذ أثبتت التجارب أن القيادة والتعاون يُلعبان دورًا مهمًا في دفع عجلة التقدم في هذا المجال.
الخاتمة
تعرفنا على تأثير الاقتصاد الرقمي على التنمية في البلدان العربية، إذ يُمثّل قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ركيزة اقتصادية أساسية للاقتصاد الرقمي، واطّلعنا على تأثير الاقتصاد الرقمي في المجال الاقتصادي، إذ تخلق التكنولوجيا الرقمية فرص لتسريع النمو وتخفيض التكاليف والتفوق على المنافسين، واطّلعنا أيضًا على تأثير الاقتصاد الرقمي في المجال الاجتماعي، إذ يعبّر الأثر الاجتماعي عن مدى تأثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الحصول على الخدمات الأساسية، وتُبيّن النتائج أن الدول العربية تواجه تحديات كثيرة تعيق عملية التحول الرقمي.