تُعرف شركة ماكدونالدز McDonald’s بأنها شركة أغذية ووجبات سريعة أمريكية انتشرت في كافة أنحاء العالم، ويعتقد الكثير من الناس أن سرّ نجاح وتفوق شركة ماكدونالدز McDonald’s العالمية هو تميز الوجبات التي تُقدمها، وهو على العكس تمامًا فإن المستوى الذي تقدمه شركة ماكدونالدز مُستوى مُتوسط الإحتراف وهذا طبقًا للكثير من المُتخصصين في التذوق.
هُناك الكثير من المطاعم التي تُقدم طعام وسعر أفضل، وبالطبع لا نُنكر أن هُناك مُنتجات مُميزة تميزت بها ماكدونالدز عن غيرها من الشركات الأخرى التي تُقدم هذا النوع من الوجبات السريعة، إذ تميزت شركة ماكدونالدز مُنذ انطلاقها بالسرعة العالية في تحضير وجبات البرجر، ولكن ليس هذا ما جعل ماكدونالدز واحدة من أكبر الشركات التي تُقدم وجبات سريعة في العالم! فإذن ما هو السر؟
كيف نشأت علامة ماكدونالدز؟
لم يكن راي كروك Ray Kroc صاحب فكرة ماكدونالدز الأصلية، نشأ مطعم ماكدونالدز بواسطة باتريك ماكدونالدز وأبنائه ريتشارد وموريس، وبذل الأبناء مجهودًا كبيرًا في وضع نظام حديث لمطعم والدهم الذي يتسم بالسرعة الشديدة والكفاءة العالية وذلك عن طريق إعادة تصميم مطعم والدهم ليكون مُقسم لمراحل كُل مرحلة تُساهم في إنشاء قطعة برجر كاملة بالإضافة إلى إقتصار المطعم على تقديم الأصناف الأكثر استهلاكًا ومنها البرجر والقهوة.
قصة صعود ماكدونالدز
بالرغم من أن مطعم ماكدونالدز كان مطعمًا مُميزًا إلا أنه لم يُحقق ثروة كبيرة، وهذا بسبب الطموح المحدود لعائلة ماكدونالدز والذي لاحظه راي كروك الذي كان يعمل مندوبًا لماكينة الميلك شيك في هذا الوقت، ويُورد الماكينات لمطاعم ماكدونالدز، وكانت نقطة التحول هي أن راي كروك أعجب كثيرًا بجودة فكرة استخدام العلامة التجارية الفرنشايز Franchise واقترح عليهم فكرة جديدة من نوعها في هذا الوقت وهي إذ عرض عليهم شراء العلامة التجارية وتوزيعها والإشراف على الجودة وإدارتها والتصميم وجميع الأمور الخاصة بالمطعم بواسطته مقابل نسبة مُحددة.
سرعان ما انتشرت فروع مطعم ماكدونالدز في جميع المناطق مما دفع راي كروك إلى التفاوض مع عائلة ماكدونالدز لشراء حصتهم ونجح الأمر بالفعل وبدأ كروك بعدها بإقناع جميع معارفه وأصدقائه للدخول في فروع للمطعم بنظام الفرنشايز؛ تعتمد شركة ماكدونالدز كثيرًا على نظام الامتياز لتوسيع نطاق تواجدها العالمي. إذ تُتيح الشركة لرواد الأعمال امتلاك وتشغيل مطاعم ماكدونالدز الخاصة بهم مقابل رسوم امتياز ودفعات مستمرة.
واجه كروك مع نموّ سلسلة مطاعم ماكدونالدز تحديين رئيسيين:
- تكاليف إنشاء مطاعم جديدة، والتي شملت شراء الأراضي وبناء المباني، ممّا جعلها استثمارات باهظة الثمن.
- الحفاظ على التناسق والجودة العالية للمنتجات والخدمات عبر جميع الفروع، إذ واجه صعوبة في ضمان التزام أصحاب الامتياز بمعايير الشركة.
ابتكر كروك نظام الامتياز المُطور، والذي شكّل نقطة تحول مهمةً في مسيرة ماكدونالدز.
التحول الاستراتيجي: كيف أصبحت ماكدونالدز شركة استثمار عقاري
رغم توسع كروك وطموحه وخياله الواسع إلا أنه لم يستطع من تحقيق ثروة كبيرة حينها، بالرغم من وصول عدد فروع ماكدونالدز بحلول عام 1960 إلى 1000 فرع، وهُنا حدثت اللحظة الفارقة والفكرة العبقرية بواسطة هاري سانبورن؛ وهو مدير الحسابات الخاص بالشركة والذي أقترح طريقة جديدة في عملية الفرانشايز.
أدرك المفتاح الحقيقي لشركة ماكدونالدز، إذ يقول لكروك: “يبدو أنك لا تدرك طبيعة العمل الذي تعمل فيه، أنت لا تعمل في مجال البرجر، بل تعمل في مجال العقارات.”
يُبين هاري لكروك، بأنه لا يستطيع بناء إمبراطورية بقطع نسبة أرباح 1.4% من سعر شطيرة همبرغر البالغة 15 سنتًا أمريكيًا. ولكن يمكنه فعل ذلك من خلال امتلاك العقار الخاص بالمطعم. طلب هاري من كروك إنشاء شركة جديدة عقارية تمتلك فروع جديدة وتكون مملوكة بالكامل لشركة ماكدونالدز ليُحقق بذلك عائد مادي لتأجيرها لأصحاب الامتياز كشرط لاتفاقية الامتياز الخاصة بهم، لا يمكنهم استئجار هذه الفروع إلا من كروك، بالإضافة إلى التحكم الكامل في تلك الفروع.
يضمن نموذج الأعمال لكروك تدفقًا ثابتًا ومباشرًا للإيرادات ويبدأ فور توقيع الاتفاقية، بدلًا من الانتظار لشهور حتى يفتتح المطعم ويبدأ بيع أول برجر. كما يوفر له رأس مالًا إضافيًا للتوسع، مما يغذي عمليات الاستحواذ على الأراضي وخطط التوسع الأخرى. باختصار، يُعد هذا النموذج بمثابة دولاب موازنة صغير يدور بسلاسة.
بالإضافة إلى ذلك، يُقدم هذا النموذج لكروك ما كان يفتقده بشدة وهو السيطرة الكاملة على جميع جوانب عمل أصحاب الامتياز، بدءًا من القوائم وانتهاءً بمعايير الخدمة والجودة. يضمن كروك تجربة متسقة للعملاء عبر جميع مطاعم ماكدونالدز بفضل هذه السيطرة. إذا لم يلتزم صاحب الامتياز بالمعايير المحددة، ويملك كروك السلطة النهائية لإلغاء عقد الامتياز.
تعد العلاقة بين صعود ماكدونالدز والعقارات علاقة رائعة ومتعددة الأوجه، وتتميز بالتخطيط الاستراتيجي، ونماذج الأعمال المبتكرة، والفهم العميق لأهمية الموقع في عالم عمليات الوجبات السريعة. لا يقتصر نجاح ماكدونالدز على بيج ماك أو هابي ميل المميز؛ فهو مرتبط ارتباط معقد بنهج الشركة تجاه العقارات، والذي لعب دورًا محوريًا في نموها ونجاحها المستدام.
نموذج الامتياز مع ملكية العقارات
إحدى الجوانب المميزة لاستراتيجية ماكدونالدز هو الجمع بين نموذج الامتياز والاستثمار العقاري. بالرغم من أن العديد من سلاسل الوجبات السريعة تعتمد فقط على الامتياز، إلا أن ماكدونالدز تمتلك العقار الخاص بالمطعم. يمنح هذا النهج المزدوج الشركة مستوى فريدًا من السيطرة على مواقعها، مما يسمح لها باتخاذ قرارات استراتيجية تتجاوز نموذج الامتياز التقليدي والعديد من المزايا وهي:
- الاستقرار والتحكم بسلسلة المطاعم
تحقق ماكدونالدز مستوى من الاستقرار والسيطرة غير المتداولة في صناعة الوجبات السريعة من خلال امتلاك الأرض. يأجر أصحاب الامتياز مبنى المطعم والأرض من شركة ماكدونالدز. هذا لا يوفر للشركة تدفقًا ثابتًا من إيرادات الإيجار فحسب، بل يضمن أيضًا أن يكون لها رأي في إدارة العقار، والحفاظ على اتساق العلامة التجارية وجودتها عبر شبكتها الواسعة من المواقع.
- اختيار الموقع الاستراتيجي للمطاعم
يتشابك نجاح ماكدونالدز كثيرًا مع أسلوبها الدقيق في اختيار الموقع. تضع الشركة مطاعمها في المناطق الاستراتيجية ذات الحركة المرورية العالية، مستفيدة من الرؤية وسهولة الوصول والراحة. تضمن الدراسة المتأنية للعوامل العقارية في هذه العملية أن يصبح كل موقع من مواقع ماكدونالدز ضمن الأصول الاستراتيجية، مما يساهم في النجاح الشامل للعلامة التجارية.
- تقدير ارتفاع أسعار العقار
ارتفعت قيمة العقارات المملوكة لشركة ماكدونالدز على مر السنين كثيرًا، أضاف هذا التقدير بعدًا آخر إلى الصحة المالية العامة للشركة، مما يخلق وضعًا تصبح فيه الأرض الأساسية إحدى الأصول المقدرة. مع ارتفاع قيمة العقارات، لا تستفيد ماكدونالدز من إيرادات الإيجار فحسب، بل تستفيد أيضًا من القيمة للأرض والعقارات المتزايدة لمحفظتها العقارية.
- التأثير الاقتصادي على المناطق المحيطة بالمطاعم
يؤثر إنشاء مطعم ماكدونالدز تأثير اقتصادي إيجابي على المنطقة المحيطة، فيمكن أن يساهم تدفق العملاء وتوفير فرص العمل وزيادة النشاط التجاري في تقدير قيمة العقارات في المنطقة المجاورة. لا تقتصر ماكدونالدز على كونها مزود للوجبات السريعة، بل ستتحول إلى محرك للتنمية الاقتصادية في المناطق التي تعمل بها.
- القدرة على التكيف مع الاتجاهات المتغيرة
أظهرت ماكدونالدز وعيًا شديدًا باتجاهات المستهلكين المتغيرة والديناميكيات الحضرية، إذ تمتد هذه القدرة على التكيف إلى استراتيجيتها العقارية، مما يضمن بقاء مواقع الشركة ذات صلة بالأسواق المتطورة. تعكس قدرة ماكدونالدز على تكييف محفظتها العقارية من خلال التزامها بالبقاء في المقدمة في عالم مطاعم الخدمة السريعة سواء من خلال التجديدات أو النقل أو التعديلات على تنسيقات المتاجر.
تحولت شركة ماكدونالدز لشركة تمتلك أصول عقارية ضخمة مع مرور الوقت إذ تمتلك أكثر من 37 ألف فرع حول العالم كأصول وعلامة تجارية. بلغت القيمة السوقية للشركة 134 مليار دولار أمريكي عند حلول عام 2018، ومن هُنا أصبحت الشركة تمتلك أصول عقارية تُأجرها بجانب نسبة الفرانشايز، وتُصنف الآن شركة ماكدونالدز بأنها شركة استثمار عقاري بالمقام الأول، إذ تلعب أصولها العقارية دورًا كبيرًا في حجم إيرادات الشركة.
لماذا تُصنف ماكدونالدز شركة عقارية بالمقام الأول؟
تُبين إحصائيات أرباح الشركة أن شركة ماكدونالدز تحصل على حوالي 85% من أرباحها من إيجارات الفروع ونسبة الفرانشايز، وفيما تحصد حوالي 15% فقط من مبيعات الطعام مباشرةً في الفروع المملوكة لها بطريقة غير مُباشرة.
الخاتمة
تُعد قصة صعود ماكدونالدز شهادة قوية على أهمية الاستثمار العقاري، حتى لو بطريقة غير مُباشرة. لعبت الأصول العقارية دورًا محوريًا في مسيرة الشركة، بدءًا من اختيار المواقع الاستراتيجية لمطاعمها، مرورًا بامتلاك الأرض، وصولًا إلى استخدام العلامة التجارية القوية لتعزيز قيمة تلك الأصول. لم تقتصر فائدة الاستثمار العقاري على ماكدونالدز فحسب، بل أثرت بإيجابية على مختلف جوانب أعمالها، من خلال توفير تدفق ثابت من إيرادات الإيجار وضمان التحكم في مواقعها وتعزيز قيمة العلامة التجارية تسهيل التوسع وتقليل المخاطر.
يُظهر نجاح ماكدونالدز بكيف يمكن للعقارات أن تكون محركًا خفيًا لانتصار الأعمال في مختلف الصناعات. أثبتت الشركة أن الاستثمار العقاري لا يقتصر على شراء وبيع العقارات، بل يمكن استغلاله بطريقة إبداعية لتحقيق أهداف تجارية بعيدة المدى من خلال نهجها الفريد في مجال العقارات. لذلك، لا عجب أن تلقي الأقواس الذهبية لماكدونالدز بظلالها الطويلة على عالم الاستثمار العقاري، مُلهمةً الشركات والأفراد على استكشاف إمكانيات هذا المجال الواسع والواعد.