نظرية التسارع في الاقتصاد هي مفهوم يستكشف العلاقة بين التغيرات في مستوى النشاط الاقتصادي والتغيرات في الاستثمار. وهي نظرية تتعمق في الطبيعة الدورية للنمو الاقتصادي ودور الاستثمار في دفع هذه الدورات. تم تطوير نظرية التسارع في المقام الأول من قبل اقتصاديين مثل جون ماينارد كينز وميشال كاليكي، وهي تقدم نظرة ثاقبة حول كيف يمكن للتقلبات في الاستثمار أن تؤدي إلى تضخيم أو إضعاف التوسعات والانكماشات الاقتصادية.
ما هي نظرية التسارع في الاقتصاد Accelerator Theory؟
تُعرف نظرية التسارع Accelerator Theory بأنها فرضية اقتصادية تنص على أن الإنفاق على الاستثمار يزيد عندما يزيد الطلب أو الدخل. فمثلًا، تؤدي الزيادة في الدخل القومي إلى زيادة متناسبة في الإنفاق على الاستثمار الرأسمالي.
في قلب نظرية التسارع تكمن فكرة أن التغيرات في الإنفاق الاستثماري يمكن أن يكون لها تأثير مضخم على الناتج الاقتصادي الإجمالي. ويحدث تأثير التضخيم هذا بسبب التأثير المضاعف، حيث يؤدي التغيير الأولي في الاستثمار إلى تغييرات لاحقة في مستويات الاستهلاك والإنتاج والتوظيف.
وفقا لنظرية التسارع، فإن زيادة الاستثمار تؤدي إلى زيادة الإنتاج والنشاط الاقتصادي. وذلك لأن ارتفاع مستويات الاستثمار يؤدي عادة إلى زيادة الإنتاج، وخلق فرص العمل، والإنفاق الاستهلاكي.
يلعب التأثير المضاعف دورًا حاسمًا في نظرية التسارع. ويشير إلى الظاهرة التي يؤدي فيها الزيادة الأولية للإنفاق (مثل الاستثمار) إلى سلسلة من ردود الفعل للإنفاق الإضافي في جميع أنحاء الاقتصاد. على سبيل المثال، تؤدي زيادة الاستثمار إلى ارتفاع دخل العمال، الذين ينفقون بعد ذلك المزيد على السلع والخدمات، مما يؤدي إلى تعزيز النشاط الاقتصادي.
تتناول النظرية أيضًا الطبيعة الدورية للنشاط الاقتصادي. خلال فترات التوسع الاقتصادي، تميل الشركات إلى زيادة الاستثمار مع ارتفاع الطلب على السلع والخدمات. وهذا الاستثمار المتزايد يغذي المزيد من النمو. وعلى العكس من ذلك، خلال فترات الركود الاقتصادي، يمكن أن يؤدي انخفاض الاستثمار إلى تفاقم التباطؤ، مما يؤدي إلى انكماش الإنتاج وزيادة معدل البطالة.
تؤكد نظرية التسارع على أهمية تراكم رأس المال في دفع النمو الاقتصادي. وتساهم المستويات الأعلى من الاستثمار في الأصول الإنتاجية مثل الآلات والتكنولوجيا والبنية التحتية في زيادة الإنتاجية والإنتاج. كما تلعب التوقعات بشأن الظروف الاقتصادية المستقبلية دوراً هاماً في قرارات الاستثمار. ويمكن أن تؤدي التوقعات الإيجابية إلى ارتفاع مستويات الاستثمار، في حين أن عدم اليقين أو التشاؤم يمكن أن يؤدي إلى تثبيط الاستثمار، مما قد يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي.
يمكن للسياسات الحكومية، وخاصة السياسات المالية والنقدية، التأثير على مستويات الاستثمار والنشاط الاقتصادي. على سبيل المثال، يمكن للسياسات المالية التوسعية (مثل زيادة الإنفاق الحكومي أو التخفيضات الضريبية) أن تعزز الاستثمار وتحفز النمو الاقتصادي. كما تؤثر نظرية التسارع لها أيضا آثار على النمو الاقتصادي على المدى الطويل. ويتطلب النمو المستدام مستويات ثابتة من الاستثمار لدعم الابتكار، والتقدم التكنولوجي، وتكوين رأس المال.
تقترح النظرية أيضًا أنه في حالة وجود فائض طلب، يمكن للشركات تقليل الطلب عن طريق زيادة الأسعار أو زيادة الاستثمار لتلبية مستوى الطلب الزائد، وتفترض نظرية التسارع أن الشركات تعمل على زيادة الإنتاج، وبالتالي زيادة الأرباح، لتحقيق نسبة رأس مال ثابت لإنتاج شركتهم.
تنص نسبة رأس المال الثابت على الناتج في حال كان إنتاج مائة واحدة إذ يحتاج إلى آلة واحدة، ومع ارتفع الطلب إلى مائتي وحدة، ستحتاج الشركة إلى الاستثمار في آلة أخرى لتلبية هذه الزيادة في الطلب، فمن وجهة نظر السياسة الكلية، يكون تأثير التسارع Accelerator Effect محفزًا لتأثير المضاعِف Multiplier Effect، بالرغم من عدم وجود علاقة مباشرة بين هذين المفهومين.
وضع ألبرت أفتاليون Albert Aftalion وتوماس نيسكون كارفر Thomas Nixon Carver نظرية التسارع قبل ظهور الاقتصاد الكينزي Keynesian Economics، ولكنها لم تشتهر بين العامة إلا بعد أن بدأت النظرية الكينزية في السيطرة على مجال الاقتصاد والتحكم به في القرن العشرين. يعارض بعد النقاد نظرية التسارع لأنها تنص على أي إمكانية للتحكم في الطلب عن طريق التحكم في الأسعار، ولكن البحوث التجريبية تدعم هذه النظرية.
تُستعمل هذه النظرية لوضع سياسة اقتصادية حديثة. فمثلًا، يمكن استعمال نظرية التسارع في تحديد إذا كان طرح خصومات ضريبية جديدة سيزيد الدخل القابل للصرف المتاح للمستهلكين الذين سيطلبون منتجات أكثر بالتبعية أم لا وهل سيكون هذا أفضل من الخصومات الضريبية الموجهة للشركات، التي يمكن أن تستعمل رأس المال الإضافي في النمو والتوسع. تفسر كل حكومة وخبرائها الاقتصاديين تلك النظرية بالطريقة المناسب لها، وتطرح أسئلة تساعدها النظرية في الإجابة عليها.
مثال على نظرية التسارع
افترض أن شركة تصنيع قررت زيادة إنتاجها من السيارات بسبب ارتفاع الطلب في السوق. لاستيعاب هذا الطلب المتزايد، تحتاج الشركة إلى استثمار المزيد من المال في شراء آلات جديدة وتوظيف عمال إضافيين. عندما تستثمر الشركة في آلات جديدة، ستنتج المزيد من السيارات هذا بدوره سيعزز الاقتصاد المحلي من خلال خلق فرص عمل جديدة وزيادة الطلب على المواد الخام والمكونات.
تؤدي هذه الزيادة في الإنتاج والاستثمار إلى تسارع النمو الاقتصادي في المنطقة، حيث يستفيد الجميع من زيادة النشاط الاقتصادي.
إذا كان هناك مؤشر واضح على أن مستوى الطلب المرتفع سيستمر لمدة طويلة، فمن المرجح أن تختار الشركة العاملة في تلك الصناعة زيادة إنفاقها على السلع الرأسمالية مثل التكنولوجيا والمعدات أو المصانع لزيادة قدرتها الإنتاجية. اعتمادًا على ذلك، يعد الطلب على السلع الرأسمالية مدفوعًا بزيادة الطلب على المنتجات التي توردها الشركة. يحفز هذا تأثير التسارع، والذي ينص على أنه في حالة وجود تغيير في الطلب على سلع المستهلك أي زيادة الطلب في هذه الحالة، سيكون هناك نسبة تغيير كبير في الطلب على السلع الرأسمالية للشركات.
الاستثمار في توربينات الرياح
أحد أمثلة تأثير التسارع الإيجابي على الصناعة هو عند حدوث ارتفاع في أسعار البنزين والنفط الذي أدى لارتفاع نسبة الطلب على الطاقات المتجددة ولتلبية هذا الطلب، ارتفعت نسبة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وتوربينات الرياح، ولكن يمكن أن ينعكس هذا الاتجاه في حال انهارت أسعار النفط، وستؤجل مشاريع الطاقة المتجددة، لأن استخدامها سيصبح أقل جدوى اقصاديًا من توليد الطاقة باستخدام النفط.
الخاتمة
تعرفنا على نظرية التسارع Accelerator Theory وهي نظرية وضعها ألبرت أفتاليون وتوماس نيسكون كارفر والتي نصت على أن الانفاق على الاستثمار يزيد عندما يزيد الدخل أو الطلب، وتُستعمل هذه النظرية لوضع سياسة اقتصادية حديثة، وتعرفنا على مثال عنها.