تعد عملية التعافي الاقتصادي من أبرز المواضيع التي تشغل الحكومات والمؤسسات المالية حول العالم، خصوصًا بعد الفترات التي تشهد فيها الاقتصادات ركودًا أو أزمات مالية. يشير التعافي الاقتصادي إلى الفترة التي تبدأ فيها الأنشطة الاقتصادية بالتحسن التدريجي بعد فترة من الانكماش أو التباطؤ، مدفوعة بجملة من السياسات الاقتصادية والتحفيزية التي تهدف إلى إعادة التوازن والنمو المستدام. تعد هذه العملية حيوية ليس فقط لاستعادة مستويات الإنتاج والتوظيف، بل أيضًا لتعزيز ثقة المستثمرين والمستهلكين، وتوفير البيئة الملائمة للابتكار والاستثمار. من خلال استراتيجيات فعالة، يمكن للاقتصادات المتأثرة أن تستعيد عافيتها وأن تضع أسسًا قوية لمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.
تعريف الانتعاش الاقتصادي Economic Recovery
يُعرف الانتعاش الاقتصادي Economic Recovery بأنه مرحلةً تلي مرحلة الركود ضمن دورة الأعمال، وتتميّز عادةً بفترة تحسن مستدام في نشاط الأعمال، وينمو الناتج المحلي الإجمالي Gross Domestic Product في أوقات الانتعاش الاقتصادي عادةً، ويُشار إليه اختصارًا GDP، ويزداد دخل الأفراد، وينخفض معدل البطالة مع تعافي الاقتصاد.
يتغير الاقتصاد أثناء الانتعاش الاقتصادي ويتكيف مع الظروف الجديدة، من ضمنها العوامل التي أحدثت الكساد، والسياسات والقواعد الجديدة التي طبقتها الحكومات والبنوك المركزية كاستجابة للركود.
يُعاد توظيف الموارد في الشركات الجديدة، مثل، البضائع الرأسمالية والعمالة والموارد الإنتاجية الأخرى المرتبطة بالشركات التي فشلت وأفلست خلال الركود، ويمكن أيضًا أن تشتري شركات أخرى الشركات المفلسة، وتوظف العمال العاطلين في الوظائف الجديدة، فبهذه الطريقة يشفي الانتعاش الاقتصادي السوق من الضرر الذي حدث له، ويجهز نفسه لمرحلة توسع جديدة.
تشهد اقتصادات السوق صعودًا وهبوطًا لأسباب عديدة، فيمكن أن تتأثر الاقتصادات بالأزمات المالية والاضطرابات السياسية والتأثيرات العالمية، ونشهد أحيانًا حالات ازدهار لفترات طويلة، مثل، دورة إزدهار كوندراتيف أو موجة كوندراتيف Kondratiev Wave الاقتصادية طويلة الأجل والتي تتراوح مدتها ما بين 40 إلى 60 سنة، مع المرور بمراحل متميزة من الإزدهار والتوسع، وتؤدي ذروة هذه الموجة إلى الركود وحدوث بعض الأزمات الاقتصادية وبعدها الانتعاش وهكذا.
يحدث الانتعاش الاقتصادي بعد الركود عادةً، إذ يعدّل الاقتصاد نفسه ويُعيد بعض المكاسب التي خسرها أثناء الركود، ثم ينتقل في النهاية إلى مرحلة توسع فعلي بعد تسارع النمو، وبعدها يبدأ تحسن الناتج المحلي الإجمالي وصعوده للذروة من جديد وهكذا.
عملية التعافي والانتعاش الاقتصادي
تفشل الكثير من الشركات في مرحلة الركود، وستُقلل الشركات التي تنجو من نسبة التكاليف بسبب انخفاض الطلب على منتجاتها، وإن لم تستطع الشركات الخروج من حالة الركود فسوف تُسرّح العمال، وتبيع أصولها بأسعار زهيدة، وأحيانًا يُجبر أصحاب الشركات على تصفية الشركة بأكملها.
تبيع الشركات بعض الأصول الرأسمالية مثل الآلات والمعدات لشركات أخرى، وتستثمر الشركات الجديدة هذه الآلات بطريقة مفيدة، ويمكن أن تستخدمها بطريقة مشابهة جدًا لاستخدامها السابق، أو في مجالات عمل مختلفة تمامًا، ويُعد جوهر الانتعاش الاقتصادي هو عملية فرز البضائع الرأسمالية بشكلها أو بأسعارها أو بملكيتها الجديدة بعد تحريرها من الشركات الفاشلة أو تخفيضات العمالة في حالة الركود.
يجب على رواد الأعمال مراعاة التغييرات التي تحدث في الاقتصاد لأنهم يعيدون تنظيم العمل الإنتاجي ورأس المال في أنشطة وأعمال جديدة، وتحتاج الشركات للتعامل مع الديون والمعاملات الائتمانية بطريقة مدروسة ورشيقة موازنةً بتعاملها قبل الركود لكي لا تغرق في الديون، ويمكن أن تحتاج الشركات لتطبيق أشكال تنظيمية وتقنيات جديدة في خطوط الإنتاج أو الاعتماد على الفرق المستقلة، بالإضافة إلى ذلك، ستتغير البيئة المالية والتنظيمية الحكومية دومًا في هذه الفترات ويجب على الشركات التأقلم مع ذلك.
سيتعافى الاقتصاد في نهاية المطاف وستتغير أنماط الأنشطة الاقتصادية، وسيكون أحيانًا التغيير جذريًا بينما يكون طفيفًا في حين آخر، يُعالج الاقتصاد الأضرار التي تحملها من دورة الأعمال السابقة خلال إعادة تخصيص الموارد واستعمالها لاستخدامات جديدة.
يجب أن تُصفى الاستثمارات والأعمال غير المربحة خلال الركود والبقاء على الموارد والأعمال المربحة من أجل استمرارية عملية التعافي والانتعاش، وتؤدي عملية الانتعاش في نهاية المطاف إلى مرحلة جديدة من النمو والتوسع بمجرد إعادة تخصيص الموارد بالكامل في الاقتصاد.
يُنّشأ الاقتصاديون مخططات تقيس المكونات المتنوعة للتعافي الاقتصادي غالبًا، مثل، معدلات التوظيف والناتج المحلي الإجمالي، وتُسمى مخططات الانتعاش بحسب الشكل الذي تشكله أثناء الانتعاش مثل انتعاش على شكل V أو K أو W.
مؤشرات التعافي والانتعاش الاقتصادي
يلعب الاقتصاديون دورًا مهمًا في تحديد المرحلة التي يمر بها الاقتصاد ضمن الدورة الاقتصادية أو دورة الأعمال، ويقيّم الاقتصاديون ذلك من خلال فحص كل من المؤشرات الاقتصادية الرائدة والمتأخرة ويعد سوق الأسهم أحد مؤشرات التعافي الاقتصادي، والذي غالبًا ما يرتفع قبل التعافي لأن التوقعات المستقبلية تدفع أسعار الأسهم للصعود، من ناحية أخرى، يُعد مؤشر معدل البطالة متأخرًا لأنه تبقى البطالة غالبًا مرتفعة حتى مع بدء التعافي الاقتصادي لأن العديد من أرباب العمل لن يعينوا موظفين جدد إلا إذا كانوا واثقين من حاجتهم لهم على المدى الطويل.
يعد الناتج المحلي الإجمالي مؤشرًا سلبيًا في المرحلة الاقتصادية، فالنمو السلبي لربعين ماليين متتاليين، أي 6 أشهر، في الناتج المحلي الإجمالي هو دلالة على الركود الاقتصادي. تضم المؤشرات الاقتصادية الأخرى التي يجب وضعها في عين الاعتبار كل من مؤشر التضخم Consumer Price Index ومؤشر ثقة المستهلك Consumer Confidence Index.
توجه دورة الأعمال الاقتصاد لإجراءات سياسة نقدية ومالية تتخذها الحكومة والبنك المركزي لمساعدة المستثمرين والشركات والعاملين الذين تأثروا بالركود الاقتصادي، وتطبق الحكومات مساعدات مباشرة لهذه الشركات، وتحفز الطلب عن طريق تقليل أسعار الفائدة لتشجيع الاقتراض وبدء مشاريع جديدة، كما يوفرون تمويلًا يستهدف دعم المؤسسات المالية المعرضة للتهديد.
في الحقيقة يمكن أن تؤثر إجراءات المساعدة تأثيرًا سلبيًا لأنها تمنع تصفية الشركات المتعسرة، وتشجع تلك السياسات العمال والشركات على عدم تعديل أسعار وإعادة هيكلة الأعمال التجارية والاستمرار في هدر الأموال المخصصة للمساعدة، وبقاء ظروف العمالة سيئة وعدم رفع الأجور لتناسب الواقع الجديد الناجم عن الركود، هذا السيناريو لا مفر منه وبالرغم من ذلك تخفف بعض الحكومات الدعم تدريجيًا عن المشاريع غير مربحة في ظل الظروف الاقتصادية الجديدة.
أمثلة على الانتعاش الاقتصادي
يمكن أن تستمر فترة التوسع والانتعاش لسنوات عديدة، فمثلًا بدأ التعافي الاقتصادي من أزمة الرهون العقارية لعام 2008 في يونيو 2009، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي الفعلي بنسبة 5.5% في الربع الأول من عام 2009 وبنسبة 0.7% في الربع الثاني، بيّن الاقتصاد بوادر انتعاش بحلول الربعين الثالث والرابع من عام 2009 وكان مؤشر داو جونز الصناعي الوكيل الشعبي للأداء الاقتصادي، وازداد بالفعل لمدة أربعة أشهر بعد أن سجل أقل مستوى له في فبراير 2009.
الخاتمة
تعرفنا على الانتعاش الاقتصادي Economic Recovery مرحلةً في دورة الأعمال تلي مرحلة الركود، وتتميّز عادةً بفترة تحسن مستدام في نشاط الأعمال، ويمر الاقتصاد بعملية تغيير خلال الانتعاش الاقتصادي والتكيف مع الظروف الجديدة، ويحدث الانتعاش الاقتصادي بعد الركود، ويلعب الاقتصاديون دورًا مهمًا في تحديد مرحلة دورة أعمال الاقتصاد، وتعرفنا على مؤشرات التعافي والانتعاش الاقتصادي.