شهد الاقتصاد العالمي الكثير من الأزمات المالية العالمية، التي أثرت على حياة ملايين الناس، وأثرت على معظمها تأثيرًا سلبيةً، ولا ننسَ أزمة الكساد الكبير Great Depression التي حدثت في عام 1929 وكانت من أشهر الأزمات المالية وأكبرها والتي نشأت بسبب الانهيار المفاجئ المدمر لأسعار سوق الأسهم الأمريكية، وكذلك الأزمة المالية العالمية عام 2008 والتي تُعرف أيضًا بإنهيار سوق العقارات التي عاصرها الكثير منا وعانى من آثارها سواءً بطريقة مباشر أو غير مباشر.
مفهوم الأزمات المالية
تُشير الأزمات المالية Financial Crisis إلى هشاشة وسوء أداء النظام المالي للبلد، وتُعرف الأزمات المالية بأنها تذبذبات تؤثر جزئيًا أو كليًا على مجمل المتغيرات المالية، إذ تشكل معظمها اختلالًا واضطرابًا حادًا ومفاجئًا على بعض التوازنات المالية ومؤشرات الأداء، وتُعبر عن انهيار مفاجئ في مجموع المتغيرات المالية، مثل، حجم الإصدار، وأسعار الأسهم والسندات، وقيمة القروض والودائع المصرفية، وأسعار الصرف، ويمتد أثر الأزمة المالية إلى القطاعات الاقتصادية.
ويحدث مثل هذا الانهيار المفاجئ عادةً في أسعار الأصول نتيجة حدوث انفجار للفقاعة السعرية، وتعبّر الفقاعة بمختلف أنواعها سواء كانت سعرية أو مالية أو فقاعة مضاربة عن بيع وشراء كميات ضخمة من نوع أو أكثر من الأصول المالية أو المادية مثل الاسهم والعقارات وبأسعار تفوق أسعارها الحقيقية، وتنشأ الفقاعة غالبًا عندما تُضخ الأموال على أصول بكمية أكبر من عوائدها، وهذا مشابه لما يحدث في عمليات المضاربة، والذي يكون عبارة عن عملية بيع وشراء أصول بأنواعها لذاتها، للاستفادة من تقلبات سعرها، وليس لإستخدامها في الأغراض التي وجدت من أجلها، أو للاستفادة من عوائدها مثل بيع وشراء عقار دون استعماله، أو بيع وشراء العملة الأجنبية ليس بغرض التجارة والإستثمار.
أنواع الأزمات المالية
تتعدد أنواع الأزمات المالية فيمكن أن تشمل جميع المجالات، وهي كالتالي:
أزمة العملة
تُعد أزمة العملة من أكثر الأزمات المالية حدوثًا، وتحدث أزمة العملة عندما يحدث انخفاض مفاجئ وكبير في قيمة العملة، مما يؤدي إلى فقدان الثقة في العملة والاقتصاد ككل. يمكن أن تنجم أزمات العملة عن عوامل مثل التضخم المرتفع أو مستويات الديون غير المستدامة أو الصدمات الاقتصادية الخارجية.
كما يمكن تحصل نتيجة هجوم المضاربين على قيمة التداول لعملة محددة، والذي ينتج عنه انخفاض حاد في قيمة العملة، مما يجبر السلطات النقدية في الدولة المستهدفة على صرف مقدار ضخم من احتياطاتها من العملات الأجنبية أو أن تلجأ إلى رفع معدل الفائدة لحماية سعر صرف عملتها السائد، وتنشأ أزمة العملة نتيجة هجوم مضاربة على العملة المحلية لسوق مالية ما، مما يؤدي إلى انخفاض قيمة تلك العملة، وتتدخل السلطات النقدية بصرف احتياطاتها من العملات الأجنبية للحفاظ على قيمة عملتها المحلية، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض قيمة الاحتياطات، ولا يُحقق أحيانًا المحافظة على مستوى مستقر لسعر صرف العملة المحلي.
تعد المضاربة من أهم الأسباب المؤدية لحدوث أزمات العملة؛ إذ تشير المضاربة إلى استغلال السوق بطريقة غير متوقعة لجذب المضاربين عن طريق متابعة حركة تقلبات الأسعار في السوق لأنها كلما ارتفعت الأسعار زاد حجم هامش ربح المضارب، ويمكن للمضاربين التأثير على حركة الاقتصاد كتخفيض سعر الصرف عند وجود عجز مزّمن في ميزان المدفوعات، ويحدث ذلك إذا بلغت حجم استثماراتهم حدودًا كبيرة.
الأزمة المصرفية
تنشأ هذه الأزمة عادةً عندما يكون حجم الأصول غير الكفؤة الموجودة لدى البنك كبيرًا، كما يمكن أن تحدث بسبب الإفراط في الإقراض، وعدم كفاية التنظيم، أو حدوث صدمة مفاجئة للاقتصاد أو عندما تتفق المعلومات الصادرة من مختلف الجهات مثل الإعلام والدراسات على أن هناك مؤشرات ذعر مالي كتجميد الودائع، وغلق وإفلاس بنوك، وضمان ودائع، وجود مخططات إنقاذ حكومية للبنوك.
يمكن اعتبار الأزمة المصرفية بأنها فقدان ثقة المودعين بالمصارف، وسحب الشركات والمتعاملين مع المصارف إبداعاتهم، وكما تتلازم أزمة المصارف مع أزمة السيولة بمعنى أن أزمة المصارف هي أزمة سيولة تنشأ نتيجة اضطرابات في النظام المصرفي.
ويؤكد البعض الآخر أن أسباب الأزمة التي تصيب مجّمل اقتصاد دولة ما هي إلا أزمات مصرفية، حيث أن السحب المفاجئ للأموال أو السيولة من دولة ما سيؤدي إلى حدوث أزمة مالية كبيرة، وتكون الأزمة المصرفية هي ذاتها أزمة السيولة، ويمكن تعريفها بأنها الأزمة التي تفقد فيها المصارف الاحتياطي من أصولها نتيجة تصفية حساب المصرف بسبب العجز في قيمة أصوله، وتنعكس هذه الخسائر على إجمالي الاقتصاد الكلي Macroeconomics، ويطلق عليها حينئذ الأزمة المالية المكلفة.
إقرأ أيضًا: الفرق بين الفقاعة الاقتصادية وانهيار السوق والتصحيحات والعلاقة بينها
أزمة فقاعات الأصول
تحدث فقاعات الأصول عندما تتضخم أسعار الأصول مثل الأسهم أو العقارات أو السلع بشكل كبير بزيادة عن قيمتها العادلة، تنشأ أزمات أسواق المال نتيجة ما يُعرف اقتصاديًا بظاهرة الفقاعات Bubbles، يمكن أن تحدث فقاعات الأصول بسبب عوامل مثل المضاربة أو انخفاض أسعار الفائدة أو عدم كفاية التنظيم.
في هكذا أوقات غالبًا ما يكون الهدف من شراء الأصل هو الربح الناتج من ارتفاع سعره وليس بسبب قدرة هذا الأصل على توليد الدخل، وتتجه أسعار الأصل إلى الانهيار في ظل هذا الوضع خاصةً إذا كان هناك اتجاه قوي لبيعه، فيبدأ سعره في الانخفاض، ويبدأ معها ظهور حالات الذعر، فتنهار الأسعار، وينتقل هذا الأثر نحو أسعار الأصول الأخرى، سواء في القطاع ذاته أو في القطاعات الأخرى، وتحدث أزمة أسواق المال عندما ينخفض مؤشر السوق المالية بأكثر من 20%، ومثال ذلك أزمتي 1929 و 1921.
أزمة الديون السيادية
هي أزمة تواجه دولة ما في حالة عدم قدرتها على الوفاء بديونها الخارجية أو فوائد هذه الديون، وتحدث هذه الأزمة لأسباب تتعلق بالاقتصاد الكلي كارتفاع مستوى التضخم وعجز الحساب الجاري أو عدم الاستقرار السياسي أو التوسع المفرط في الاقتراض، ويطلق على القرض الخارجي بالقرض السيادي عادةً؛ وهو القرض المقدم للقطاع الرسمي الحكومي لدولة ما، أو قرض قطاع خاص تضمنه الدولة المقترضة. تُعد أزمة المكسيك في عام 1922 من أبرز أزمات المديونية الخارجية، إذ أعلنت المكسيك حينها عن عجزها في تسديد ديونها البالغة 20 بليون دولار للمصارف الدولية، وتعرضت المكسيك بذلك إلى أزمة مديونية دولية.
الأزمات المنهجية
يحدث هذا النوع من الأزمات عندما تضرب أزمات مالية على المؤسسات المالية المترابطة لاقتصاد بلد ما في وقت واحد، مما يؤدي إلى فقدان الثقة في النظام المالي على مستوى الدولة. تحدث الأزمات المنهجية بسبب مجموعة متنوعة من العوامل، مثل الصدمة الاقتصادية العالمية، أو عدم كفاية إدارة المخاطر، أو نقص السيولة في النظام المالي. يمكن أن يكون للأزمة النظامية عواقب اقتصادية واجتماعية وخيمة، بما في ذلك فشل البنوك، وانهيار سوق الأسهم، وارتفاع مستويات البطالة.
يمكن أن تحدث الأزمات المنهجية بسبب مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك:
- العدوى: عندما تنتشر أزمة في سوق أو مؤسسة ما بسرعة إلى أسواق أو مؤسسات أخرى بسبب ترابط النظام المالي. على سبيل المثال، خلال الأزمة المالية لعام 2008، أدى فشل بنك ليمان براذرز إلى نشر الذعر في الأسواق المالية، مما أدى إلى فقدان الثقة على نطاق واسع وأزمة سيولة.
- الرافعة المالية: عندما تتحمل المؤسسات أو المستثمرون الكثير من الديون أو المخاطرة، مما يؤدي إلى تضخيم تأثير الأزمة ويؤدي إلى حالات تخلف عن السداد على نطاق واسع. على سبيل المثال، خلال الأزمة المالية الآسيوية عام 1998، اقترضت العديد من الشركات والبنوك في آسيا بكثافة بالدولار الأمريكي، مما أدى إلى تخلف عن السداد على نطاق واسع وأزمة سيولة عندما انخفضت قيمة العملات المحلية بشكل حاد.
- الفشل التنظيمي: عندما يسمح التنظيم أو الإشراف غير الملائمين للنظام المالي بتراكم المخاطر دون رادع، مما قد يؤدي إلى حدوث أزمة. على سبيل المثال، أثناء أزمة المدخرات والقروض في الثمانينات في الولايات المتحدة، انخرط العديد من البنوك في ممارسات إقراض محفوفة بالمخاطر لم تنظم بصورة كافية، مما أدى في النهاية إلى إخفاقات واسعة النطاق وعمليات إنقاذ حكومية.
للتخفيف من تأثير الأزمات النظامية، غالبًا ما ينفذ صانعو السياسات تدابير مثل عمليات الإنقاذ الحكومية، وحزم التحفيز، وتشديد التنظيم للمؤسسات المالية. ومع ذلك، من الصعب التنبؤ بالأزمات المنهجية ومنعها، ويمكن أن يكون لها آثار طويلة الأمد على الاقتصاد والمجتمع.
أسباب الأزمات المالية
في جميع المشاكل السابقة يمكننا استخلاص بعض الأسباب الرئيسية التي تحدث الأزمات المالية في العادة وهي:
- تدفق رؤوس أموال كبيرة إلى داخل البلد، ويصاحبه توسع البنوك المحلية توسعًا كبيرًا وسريعًا في عمليات الإقراض دون التأكد من الملاءة الائتمانية للمقترضين، مما ينتج عنه زيادة في حجم الديون المشكوك في تحصيلها لدى هذه البنوك، وفي هذه الحالة يحدث تراجع اسمي في قيمة العملة المحلية مقابل العملات الارتكازية؛ أي انخفاض عملة الدولة بالنسبة إلى عملات الدول الأخرى؛ والذي ينتج عنه موجة من التدفقات الرأسمالية نحو الخارج.
- ضعف رقابة وإشراف الحكومة، وما يترتب عليها من شكوك حول التزامات الحكومة وقدرتها على إجراء الإصلاحات اللازمة لمواجهة الأزمة أو وجود خلل في تطبيق السياسات المالية والنقدية الكلية المناسبة، ويرتبط ذلك مع غياب الشفافية والإفصاح، وتفاقم الفساد، والتلاعب في القوائم والبيانات المالية في المؤسسات التي تكون المصدر الرئيسي للاضطراب.
الخاتمة
تعرفنا على الأزمات المالية وهي تذبذُبات تؤثر كليًا أو جزئيًا على مجمل المتغيرات المالية، وتحدث الأزمات المالية فجأةً نتيجة لحدوث أزمة ثقة في النظام المالي أو ضعف الرقابة والأشراف، وغيرها.