يتبع المستثمرون استراتيجية استثمارية تتمثل بنقل رؤوس أموالهم من بلد أو مؤسسات مالية إلى بلد آخر من أجل الاستفادة من الحركة الإيجابية في أسعار الفائدة، ويُطلق على هذه الحركة اسم الأموال الساخنة Hot Money أي العملة التي تتنقل بين الأسواق المالية بانتظام وسرعة، وتشمل حصول المستثمرين على أعلى أسعار فائدة قصيرة الأجل ومتاحة في السوق، وسمّيت بالساخنة لأنها لا تميل إلى البقاء في سوق واحدة لفترة طويلة جدًا، كما يُطلق مصطلح الأموال الساخنة أيضًا على الأموال المسروقة التي وضع عليها علامات خاصة تُسّهل كشفها وتتبعها.
تنتقل الأموال الساخنة باستمرار من الدول ذات أسعار الفائدة المنخفضة إلى الدول ذات أسعار الفائدة المرتفعة، وتؤثر تلك التحويلات المالية على سعر الصرف العالمي، وربما تؤثر أيضًا على رصيد مدفوعات الدولة Balance Of Payments.
لا تقتصر الأموال الساخنة على عملات الدول المختلفة وإنما تضم أيضًا رأس المال المستثمر في الأعمال التجارية المتنافسة، وتسعى البنوك إلى جذب الأموال الساخنة من خلال طرح شهادات إيداع قصيرة الأجل Certificates Of Deposit وبأسعار فائدة أعلى من المتوسط، ويُشار إليها اختصارًا CDs، إذ سينقل المستثمرون أموالهم الساخنة في حال خفّضت البنوك أسعار فائدتها أو قدّمت مؤسسة مالية منافسة أسعار فائدة أعلى إلى البنك الذي يعطيهم سعر فائدة أفضل.
من يتحكم في الأموال الساخنة؟
يمتلك المستثمرون الدوليون الأموال الساخنة ويحركونها عبر مؤسسات استثمار خاصة لتنمية هذه الأموال، وتركز هذه المؤسسات عادةً على تحقيق الربح السريع والكبير، أي يوجّهون الأموال للأسواق الناشئة ويحوّلونها إلى العملات المحلية للاستثمار في أدوات الدين قصيرة الأجل في حال كانت الفائدة عليها مجزية بالنسبة لهم، ثم يحوّلون هذه الفوائد إلى الخارج مرة أخرى مع الاحتفاظ بأصل رأس المال المستثمر.
يصبح من السهل في هذا السياق فهم لماذا تُعد الأموال الساخنة من إحدى أشهر وسائل المضاربة الرامية لتحقيق الربح بأي طريقة وأقصر وقت، أما على المستوى العالمي، لا تستطيع الأموال الساخنة أن تتدفق بين الاقتصادات إلا من بعد إزالة الحواجز التجارية وإنشاء البُنى التحتية المالية الحديثة والمتطورة، ويتدفق المال في ظل هذه الخلفية إلى مناطق النمو المرتفع التي توفر إمكانية تحقيق عوائد كبيرة.
تنتقل الأموال الساخنة بين اقتصادات الدول المختلفة، ولكن يتوقف هذا على إزالة الحواجز التجارية بين الدول، وإنشاء بنية تحتية مالية عالية المستوى، ومن ثم يمكن القول بأن الأموال الساخنة تتدفق إلى مناطق النمو المرتفعة التي تقدّم إيرادات أكبر من الاستثمار، وعلى العكس، تقل الأموال الساخنة في الدول والقطاعات الاقتصادية ذات الأداء المنخفض.
تأثير الأموال الساخنة على الاقتصادات
يُعد تأثير الأموال الساخنة معقد ومتعدد الأوجه على كل من الاقتصادات المستفيدة والمانحة، إذ يفرض مخاطر وتحديات خاصةً فيما يتعلق باستقرار الأسواق المالية وديناميكيات العملة وبيئة الاقتصاد الكلي الشاملة على الرغم من أنه يجلب فوائد قصيرة الأجل، وكثيراً ما يحتاج صناع السياسات لإدارة هذه التدفقات بعناية للتخفيف من العواقب السلبية المحتملة.
وجهة الموازنة | اقتصاد المستفيد (المتلقي للأموال الساخنة) | اقتصاد المتبرع (الخاسر للأموال الساخنة) |
قيمة العملة | تؤدي تدفقات الأموال الساخنة لارتفاع قيمة عملة البلد المستفيد، إذ ينجذب المستثمرون إلى أسعار الفائدة المرتفعة مما يؤدي إلى زيادة قيمة العملة، والذي يؤثر بدوره سلباً على القدرة التنافسية للصادرات، ويضرّ بالصناعات المحلية، ولكنه يجعل الواردات أرخص بالمقابل. | يؤدي انسحاب الأموال الساخنة لانخفاض قيمة عملة الدولة لأن المستثمرون ينقلون أموالهم إلى مكان آخر، وكما هو معروف في الاقتصاد فإن العملة الأضعف تجعل الواردات أكثر تكلفة مما يساهم في الضغوط التضخمية. |
أسعار الأصول | يؤدي تدفق الأموال الساخنة لارتفاع أسعار الأصول المالية مثل الأسهم والسندات، ويساعد هذا الأمر في خلق فقاعات، إذ يؤدي لهروب مفاجئ للأموال للخارج إذا لم يكن الارتفاع مستدام مما ينعكس على زعزعة استقرار الأسواق المالية. | يؤدي هروب الأموال الساخنة لانخفاض أسعار الأصول مثل الأسهم والسندات، ويؤثر هذا الأمر على ثروات الأسر، وثقة المستهلك، والاستقرار العام للنظام المالي. |
أسعار الفائدة والتضخم | ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة لجذب المزيد من الأموال الساخنة مما يؤثر على أسعار الفائدة المحلية، لكن يزيد ذلك من تكاليف الاقتراض للشركات المحلية والمستهلكين، والذي يؤثر بدوره على النشاط الاقتصادي. | تستجيب البنوك المركزية لهروب رؤوس الأموال من خلال رفع أسعار الفائدة لجذب الأموال مرة أخرى، مما يؤثر سلبًا على الاستثمار المحلي والنمو الاقتصادي. |
احتياطيات النقد الأجنبي وميزان المدفوعات | يحدث تراكم احتياطيات النقد الأجنبي عندما يتدخل البنك المركزي لإدارة ارتفاع قيمة العملة، إذ توفّر هذه الاحتياطيات حاجزًا ضد الصدمات الاقتصادية، لكن التراكم المفرط يشكّل تحديات، وتكون إدارة الاحتياطيات معقدة. | يساهم هروب الأموال الساخنة المستمر إلى الخارج في تدهور رصيد الحساب الجاري في ميزان المدفوعات للدولة؛ مما يؤدي لاختلال التوازن، ويتطلب إجراء تعديلات على السياسات، ويؤثر على الصحة الاقتصادية العامة للدولة. |
يواجه صنّاع السياسات تحديات في الموازنة بين الحاجة إلى الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، والسيطرة على التضخم، وتشجيع النمو الاقتصادي، ويُعد العثور على مزيج السياسات المناسب لمعالجة عواقب تدفقات الأموال الساخنة أمرًا صعبًا ويتطلب إجراء توازن دقيق.
المزايا الأساسية للأموال الساخنة
يحقق مستثمرو الأموال الساخنة مكاسب كبيرة عن طريق استخدام الأموال بطريقة استراتيجية، ويمكن أيضًا للبلدان المتقدمة استعمال تدفق رأس المال لتحقيق تنوّع أفضل للمستثمرين الدوليين في محافظهم، ولذلك تُقدم الأموال الساخنة مجموعة من المزايا وهي:
- المرونة والاستجابة السريعة لتغيرات السوق
تتميز الأموال الساخنة بمرونتها التي لا مثيل لها، إذ ينقل المستثمرون رؤوس أموالهم بسرعة داخل وخارج مختلف البلدان والأصول المالية كاستجابة للتغيرات في ظروف السوق، بالإضافة إلى ذلك تتيح هذه المرونة للمستثمرين الاستفادة من الفرص الناشئة أو تقليل الخسائر في مواجهة التطورات المعاكسة في السوق.
تُعد القدرة على التكيّف بسرعة مع الظروف المتطوّرة ميزة كبيرة في الاقتصاد العالمي الذي يتّسم بالتغيّر المستمر وعدم اليقين، وتوفّر الأموال الساخنة للمستثمرين الأدوات التي يحتاجونها لاغتنام الفرص قصيرة الأجل أو حماية أصولهم من المخاطر غير المتوقعة.
- تنويع المحفظة الاستثمارية
يصنّف تنويع المحفظة كاستراتيجية أساسية في إدارة المخاطر، إذ تُسهّل الأموال الساخنة ذلك من خلال تمكين المستثمرين من توزيع أصولهم عبر الأسواق والعملات المختلفة، ويمكن للمستثمرين تقليل تعرضهم للمخاطر المرتبطة بأصل أو سوق واحد من خلال تنويع محافظهم الاستثمارية.
تسمح الأموال الساخنة أيضًا للمستثمرين بالاستفادة من فروق أسعار الفائدة وتقلبات العملة والفرص الأخرى الخاصة بالسوق، ويمكنهم تحسين عائداتهم مع إدارة المخاطر بفعالية من خلال تخصيص الأموال عبر مناطق وفئات أصول مختلفة.
- الربح من فروق أسعار الفائدة
تكون فروق أسعار الفائدة بين البلدان فرصة مربحة لمستثمري الأموال الساخنة، فعندما يرفع البنك المركزي لبلد ما أسعار الفائدة لمكافحة التضخم أو جذب رأس المال الأجنبي فسوف تميل عملته إلى الارتفاع، مما يوفّر إمكانية زيادة رأس المال بالإضافة إلى دخل الفوائد، ومن الممكن أن تتدفق الأموال الساخنة إلى مثل هذه البلدان للاستفادة من هذه الفرص.
ويمكن بعكس ذلك أن تنخفض قيمة عملة دولة ما عندما تُخفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو الاقتصادي، ويمكن بعد ذلك نقل الأموال الساخنة إلى خارج ذلك البلد لتجنب الخسائر المحتملة، مما يسلط الضوء على قدرتها على التكيّف مع ظروف السوق المتغيرة.
- السيولة وإمكانية الوصول
تتميز استثمارات الأموال الساخنة بسيولة عالية، أي يمكن تحويلها بسرعة إلى نقد أو نقلها إلى استثمار مختلف، وتوفّر هذه السيولة للمستثمرين حرية الاستجابة لتطورات السوق المفاجئة أو اغتنام الفرص دون تأخير، كما يجعل استثمارات الأموال الساخنة في متناول مجموعة واسعة من المستثمرين، بدءًا من المتداولين الأفراد وحتى المؤسسات الكبيرة.
بالإضافة إلى ذلك، تضمن سيولة استثمارات الأموال الساخنة إمكانية تحويلها بسهولة إلى العملة المحلية عند الخروج من المركز مما يُقلل من مخاطر خسائر رأس المال بسبب أسعار الصرف المتغيرة.
- تقليل التعرّض للمخاطر طويلة المدى
تكون استثمارات الأموال الساخنة عادةً قصيرة الأجل بطبيعتها بعكس الاستثمارات طويلة الأجل التي تخضع لمخاطر سياسية أو اقتصادية أو بيئية تتكشف على مدى سنوات أو عقود، ويُقلل هذا التركيز على المدى القصير من التعرّض للمخاطر طويلة الأجل، مما يُسهّل على المستثمرين التكيّف مع الظروف المتغيرة.
على سبيل المثال، يمكن لمستثمري الأموال الساخنة الخروج بسرعة من السوق إذا توقّعوا عدم الاستقرار السياسي أو الانكماش الاقتصادي، مما يقلل من تعرّضهم لهذه المخاطر، وتُشكّل القدرة على تجنّب فترات الركود التي طال أمدها في السوق ميزة كبيرة في الحفاظ على رأس المال.
- تعزيز اكتشاف الأسعار وكفاءة السوق
تلعب الأموال الساخنة دورًا حيويًا في تعزيز اكتشاف الأسعار وكفاءة السوق، وذلك عندما يستجيب المستثمرون بسرعة للأخبار والأحداث ويُحركون رأس المال، فيُساهم ذلك في تسعير الأصول بدقة وفي الوقت المناسب، ويفيد ذلك السوق الأوسع من خلال الحد من سوء التسعير وتحسين شفافية السوق.
كما يجذب وجود مستثمري الأموال الساخنة سيولة إضافية إلى الأسواق، مما يسهل على المشاركين الآخرين في السوق تنفيذ الصفقات وإدارة مراكزهم بفعالية.
السلبيات الرئيسية للأموال الساخنة
يُعد مستثمرو الأموال الساخنة أول من ينسحب من الاستثمارات في الأوقات العصيبة والشدائد وذلك على الرغم من ميزات هذه الأموال، مما يزيد من حدة أزمة السيولة، ويكون لمثل هذا التدفق المفاجئ لرأس المال تأثير سلبي على الاقتصاد مع أفق استثمار أقصر مثل التوسع النقدي السريع، والضغوط التضخمية واتساع عجز الحساب الجاري، كما تؤثر هذه التحويلات المالية على سعر الصرف، بالإضافة إلى تأثيرها على ميزان مدفوعات الدولة وبالتالي موقفها من توافر السيولة النقدية الأجنبية، أي في حال وفرة المزيد من الاستقرار الاقتصادي والتجاري وثبات سعر الصرف، ويكون العكس تمامًا في حال العجز.
لنتعرف على سلبيات الأموال الساخنة بالتفصيل:
- التقلبات والتعرّض للمخاطر
يُصنّف من أهم عيوب الأموال الساخنة هو تعرّضها للتقلبات، إذ تكون استثمارات الأموال الساخنة عادةً قصيرة الأجل وعالية السيولة، لذلك تخضع لتقلبات مفاجئة في السوق، وتنتج هذه التقلبات عن مجموعة متنوعة من العوامل بما في ذلك الأخبار الاقتصادية أو الأحداث الجيوسياسية أو التغيّرات في معنويات السوق.
يواجه المستثمرون في الأموال الساخنة غالبًا خطر خسائر رأس المال المفاجئ إذا أصبحت ظروف السوق غير مواتية، بالإضافة إلى ذلك، تؤدي طبيعة الأموال الساخنة التي تعتمد على التحركات السريعة داخل وخارج الأسواق إلى تفاقم تقلبات السوق، بالإضافة إلى تقلبات مفاجئة في الأسعار.
- الطبيعة التخمينية
ترتبط الأموال الساخنة بسلوك المضاربة غالبًا، ويميل المستثمرون المنخرطون في الأموال الساخنة إلى إعطاء الأولوية للمكاسب قصيرة الأجل على الاستقرار والأساسيات الاقتصادية على المدى الطويل، وتساهم هذه الطبيعة المضاربة في خلق الفقاعات وعدم كفاءة السوق، إذ يُطارد المستثمرون أحدث الاتجاهات والبدع.
تشوّه تدفقات الأموال الساخنة المضاربة أسعار الأصول، مما يجعل من الصعب على الأسواق أن تعكس القيم الجوهرية بدقة، ويخلق ذلك مخاطر لكل من المستثمرين والاقتصاد الأوسع، لأنه يمكن لفقاعات الأصول التي تغذيها الأموال الساخنة أن تؤدي إلى تصحيحات حادة في السوق وأزمات اقتصادية.
- الصدمات الخارجية وانتشار العدوى بين الدول
تُعد استثمارات الأموال الساخنة حساسة للصدمات الخارجية، وتخرج بسرعة من بلد أو منطقة ما عند وقوع أحداث سلبية، مما يؤدي إلى تدفقات رأس المال إلى الخارج وزعزعة استقرار الأسواق المحلية مثل الأزمات المالية أو الصراعات الجيوسياسية.
يُشار إلى هذه الظاهرة باسم العدوى غالبًا، لأنها تُشبهها، إذ تنشر المشاكل في جزء من العالم بسرعة وتنقلها إلى مناطق أخرى بسبب الترابط بين الأسواق المالية العالمية، ويؤدي السحب المفاجئ للأموال الساخنة إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية ويجعل جهود التعافي أكثر صعوبة.
- قلة الاستثمار في النشاط الاقتصادي الحقيقي
تُركز الأموال الساخنة على الأسواق المالية وتداول العملات بدلًا من النشاط الاقتصادي الحقيقي، ويكون لذلك عواقب سلبية على صحة الاقتصاد على المدى الطويل، وعندما يتدفق رأس المال في المقام الأول إلى استثمارات المضاربة فيمكن ألّا يساهم في الأنشطة الإنتاجية مثل التصنيع أو تطوير البنية التحتية أو خلق فرص العمل.
تواجه البلدان التي تعتمد كثيرًا على تدفقات الأموال الساخنة اختلالات اقتصادية، وتؤدي المضاربة المفرطة في الأسواق المالية إلى نشوء فقاعات الأصول، مما يعيق النمو الاقتصادي المستدام والاستقرار.
- عدم استقرار سعر الصرف
تمارس تدفقات الأموال الساخنة ضغوطًا كبيرة على أسعار الصرف، وتؤدي التدفقات السريعة منها إلى ارتفاع قيمة عملة الدولة بسرعة، مما يجعل صادراتها أكثر تكلفة ويضرّ بالصناعات المعتمدة على التصدير، وبعكس ذلك، تؤدي التدفقات المفاجئة للأموال الساخنة إلى انخفاض قيمة العملة، والذي يؤدي إلى تفاقم الضغوط التضخمية.
يشكّل عدم استقرار أسعار الصرف ضررًا للشركات وخاصةً تلك العاملة في التجارة الدولية، لأنه يؤدي إلى عدم اليقين وتآكل هوامش الربح.
- المخاطر التنظيمية
تشعر الحكومات والبنوك المركزية بالقلق غالبًا بشأن تأثير الأموال الساخنة على اقتصاداتها، إذ تُنفّذ تدابير تنظيمية للسيطرة على تدفقات رأس المال كاستجابة للمخاطر المتصورة، مثل ضوابط رأس المال أو الضرائب على استثمارات المضاربة، وتخلق هذه اللوائح حالة من عدم اليقين لدى مستثمري الأموال الساخنة مما يجعل من الصعب التنبؤ بكيفية تأثر استثماراتهم.
مصر الوجهة المفضّلة للأموال الساخنة
تُقدم مصر مثالًا واضحًا عن الأموال الساخنة فبعد انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار في عام 2016 قفز سعر الصرف بعد ذلك بأكثر من 100% زيادة فوق 19 جنيهًا أي ما دون 9 جنيهات، وأدى تقديم أسعار فائدة عالية جدًا إلى جذب تدفقات كبيرة من الأموال الساخنة إلى البلاد.
تصدّرت مصر المقام الأول والمفضّل لاستثمارات الأموال الساخنة في السنوات الماضية لأنها حظيت بأعلى معدل فائدة فعلي؛ أي معدل الفائدة الأساسي مطروحًا من نسبة التضخم في العالم، وتراجع سعر الصرف في وقت لاحق إلى 15.70 جنيه للدولار، ولكن الأهم من ذلك أنه بقي مستقرًا عند هذا الحد لسنوات، ويعني هذا الاستقرار انسيابية حركة التجارة والاستثمار، إلى جانب شيء من اليقين فيما يرتبط بإنشاء الخطط والتوقعات المستقبلية.
سيكون المستثمرون على استعداد لنقل الأموال الساخنة إلى البنك الذي يقدّم صفقة أفضل في حال خفض البنك أسعار الفائدة، أو قدمت مؤسسة مالية منافسة بمعدلات أعلى، وتتدفق الأموال الساخنة عمومًا خارج القطاعات الاقتصادية والبلدان ذات الأداء الضعيف.
هذا ما حدث في مصر في بداية عام 2022 عندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي في أمريكا بزيادة أسعار الفائدة لديه، وتزامن ذلك مع زيادة التضخم في مصر، وبالتالي أصبح السوق الأمريكي أكثر جاذبية وقلّ العائد الفعلي للاستثمار في الجنيه، كما حفّزت زيادة المخاطر العالمية المستثمرين على التمسك بالدولار كملاذ آمن ضد الأخطار المالية.
خرج من مصر أكثر من 22 مليار دولار من هذه الأموال الساخنة في الأشهر الأولى من عام 2022، مما ساهم كثيرًا في شح السيولة الأجنبية وتصاعدت الضغوط على الجنيه الذي أجّبر البلاد أن تسمح بانخفاضه مرات عدة منذ مارس العام الماضي ليبلغ الآن 29.70 أمام الدولار.
الصين مثال على سوق الأموال الساخنة والباردة
يُعد الاقتصاد الصيني نموذجًا واضحًا لتقلبات الأموال الساخنة، إذ توسّع اقتصاد الصين في بداية القرن الحادي والعشرين بمعدل مرتفع جدًا، ورافق ذلك ارتفاعًا كبير في أسعار الأسهم الصينية، مما جعل الصين واحدة من أضخم أسواق الأموال الساخنة في التاريخ، لكن عكست حركة الأموال المتدفقة إلى الصين اتجاهها سريعًا بعد انخفاض قيمة اليوان الصيني بنسبة عالية، وحدوث تصحيح Correction كبير في سوق الأسهم الصيني، وقدّر لويس كويجس Lewis Cass كبير محللي الاقتصاد الصيني في بنك اسكتلندا الملكي أن الصين خسرت حوالي 300 مليار دولار من الأموال الساخنة في ستة أشهر فقط في الفترة من سبتمبر 2014 إلى مارس 2015.
يُعد معدل انعكاس حركات تدفق الأموال في سوق المال الصيني لا مثيل، إذ تضاعف احتياطي العملات الأجنبية في الدولة خلال الفترة بين العامين من 2006 إلى 2014، ووصل رصيدها إلى 4 تريليون دولار الناتجة جزئيًا عن الاستثمار الأجنبي طويل الأجل من الأعمال التجارية الصينية، لكن نتج جزء ضخم من هذا الرصيد عن الأموال الساخنة أيضًا حين اشترى المستثمرون السندات ذات أسعار الفائدة العالية، وجمعوا الأسهم التي توقعوا أن تحقق إيراد عالي مستقبلًا، واقترض المستثمرون بالإضافة إلى ذلك أموالًا ضخمة من الصين بأسعار فائدة منخفضة وذلك بهدف شراء سندات عالية الفائدة من دول أخرى.
أصبح السوق الصيني أصبح وجهة جذّابة للأموال الساخنة بفضل ازدهار سوق الأسهم والعملة القوية، لكن معدل تدفق الأموال تباطأ بشدة عام 2016، لأن أسعار الأسهم وصلت إلى قمتها، ولم يعد يمكن تحقيق إيرادات جيدة منها، كما أدى تقلّب اليوان منذ عام 2013 إلى خروج عدد ضخم من المستثمرين من الأسواق، وانخفاض نسبة احتياطي النقد الأجنبي في الدولة بأكثر من 250 مليار دولار خلال مدة التسعة أشهر من يونيو 2014 إلى مارس 2015.
وقعت أحداث مشابهة عام 2019 م إذ قدّر معهد التمويل الدولي أن المستثمرين سحبوا رؤوس أموال تزيد قيمتها عن 60 مليار دولار من الاقتصاد الصيني بين شهري مايو ويونيو من ذلك العام بسبب فرض قواعد أكثر على رأس المال بالإضافة إلى انخفاض قيمة اليوان.
الخاتمة
تعرّفنا على مصطلح الأموال الساخنة Hot Money الذي يُشير إلى العملة التي تتنقل بين الأسواق المالية بانتظام وسرعة، وتشمل حصول المستثمرين على أعلى أسعار فائدة قصيرة الأجل ومتاحة في السوق، وتنتقل الأموال الساخنة في السياق العالمي بين اقتصادات الدول المختلفة، وتوجه نشاط الأموال الساخنة عمومًا نحو الاستثمارات قصيرة الأجل، واطّلعنا على إيجابيات وسلبيات الأموال الساخنة، وتُعد الصين ومصر من الأمثلة الحية على سوق الأموال الساخنة والباردة.