يُعرف الدين الأساسي Senior Debt بأنه الأموال المقترضة التي تحظى بأولوية في السداد عن غيرها من الديون عند إفلاس الشركة، ويكون لكل نوع من أنواع التمويل مستوى أولوية في السداد مختلف عن غيره في حال إفلاس الشركة، فإذا أفلست إحدى الشركات سيكون مصدر الديون الأساسية ناتج عن حملة التسهيلات أو السندات الائتمانية الصادرة عن البنوك.
تُعرف التسهيلات الائتمانية Credit Facility بأنها إحدى خطوط الائتمان التي يدفع العميل عليها عمولة التزام للمؤسسة لاقتراض الأموال، إذ يُسمح له باستعمال هذه الأموال المقترضة عند الحاجة، وتُتيح هذه التسهيلات للعميل مرونة سحب المبالغ اللازمة لاحتياجاته التشغيلية وقتما يشاء، دون الحاجة إلى طلبات قرض جديدة، ويُسدد لهؤلاء المقرضين أولًا ثم لحملة الأسهم الممتازة وأخيرًا لحملة الأسهم العادية، ومن الممكن سدادها من خلال بيع الضمانات الخاصة بالديون.
يُصنف الدين الأساسي كنوع من ترتيبات الاقتراض، إذ يحق للمقرضين المطالبة بأصول المقترض، مما يضمن احتمالية أكبر للسداد موازنة بأشكال الديون الأخرى، نتيجة لذلك يُعد الدين الأساسي أقل خطورة من الديون الثانوية Subordinated debt.
يحتل الدين الأساسي الفئة الأولى من التزامات الشركة، إذ تؤمن هذه الديون عن طريق نوع من الضمانات الإضافية، ويُؤمن سعر الفائدة المحدد والفترة الزمنية ويُسدد على فترات زمنية محددة مسبقًا؛ مما يجعل هذا النوع من الديون أقل خطورة بالنسبة للشركة المقرضة في حال تعثر العميل المقترض عن السداد في الوقت المحدد، ويكون العائد على هذه الديون قليل بسبب انخفاض نسبة المخاطر.
تلعب الديون الأساسية دورًا مهمًا في عالم التمويل، فهي توفّر التمويل للكيانات المختلفة مثل الشركات والحكومات والأفراد، لذلك سنقدّم فحصًا مفصّلًا للديون الأساسية، بالإضافة إلى تعريفها وخصائصها ومزاياها واعتباراتها، ويمكن للمستثمرين والمقترضين والمهنيين الماليين التنقل في تعقيدات تمويل الديون بطريقة أكثر فعّالية من خلال فهم الديون الأساسية.
خصائص الديون الأساسية
تتمتع الديون الأساسية بمجموعة من الخصائص وهي:
- الأولوية في السداد
يحق لكبار حاملي الديون الأساسية المطالبة بأصول المقترض في حالة التخلف عن السداد أو في حال التصفية، مما يضمن السداد لهم ولأصحاب الديون الصغار والمستثمرين في الأسهم قبل الدائنين الآخرين، ويُعد الدين الأساسي آمنًا أكثر للمقرضين.
- معدلات فائدة منخفض
يُقدّم المقرضون عمومًا أسعار فائدة أقل موازنةً بأشكال الديون الأكثر خطورة، وذلك نظرًا لانخفاض المخاطر المرتبطة بالديون الأساسية مما يزيد ثقة المقرضين ويسمح لهم بفرض تكاليف اقتراض أقل.
- الضمانات والأمان
تدعم الضمانات أو أصول محددة الديون الأساسية غالبًا، وتعمل كضمان في حال التخلف عن السداد، ويوفّر هذا الضمان حماية إضافية للمقرضين مما يُقلل من تعرضهم للمخاطر ويزيد من احتمالية التعافي الكامل أو الجزئي في حالة إفلاس المقترض.
- التعهدات والشروط التقييدية
تتضمن اتفاقيات الديون الأساسية تعهدات تفرض قيودًا على الأنشطة المالية للمقترض، إذ تهدف هذه التعهدات إلى حماية مصالح المقرضين من خلال ضمان احتفاظ المقترض بنسب مالية معينة، وتحقيق أهداف أداء محددة، وإدارة المخاطر بطريقة مناسبة.
يحق لحملة الديون الأساسية إعطاء آرائهم حول مقدار الديون الثانوية التي تقترضها الشركة بسبب احتمالية عدم قدرتها على سداد كل هذه الديون، وخصوصًا الشركات التي تُعاني من عوز في سيولتها؛ لذلك يُفضّل أصحاب الديون الأساسية غالبًا أن تكون الديون الثانوية عند حدها الأدنى.
الديون الأساسية المضمونة وغير المضمونة
تختلف الديون المضمونة وغير المضمونة بوقت الإصدار وهي كالآتي:
- الديون الأساسية المضمونة
يكون إصدار هذا النوع من الديون بضمان إحدى الأصول مثل المعدات والآلات، والأراضي …إلخ، وفي حال تعثر العميل المقترض عن السداد تبيع الجهة المقرضة هذه الأصول وتسترجع قيمة الدين.
- الديون الأساسية غير المضمونة
يُصدر هذا النوع من الديون بدون ضمانات لتغطية الدين، وفي حال التعثر في السداد يتقدّم أصحاب هذا النوع من الديون بمطالبات ضد الأصول العامة للشركة المقترضة.
مزايا الديون الأساسية
تقدّم الديون الأساسية العديد من المزايا لكل من المقترضين والمقرضين، وفيما يلي بعض المزايا التفصيلية للديون الأساسية:
- الأولوية في السداد
تُصنّف الأولوية في السداد من إحدى المزايا المهمة للديون الأساسية، إذ تُسدد هذه الديون في حالة التخلف عن السداد أو التصفية من الأصول المتاحة أو التدفقات النقدية للمقترض وذلك قبل دائنين آخرين مثل حاملي الديون الثانوية أو المستثمرين في الأسهم، ويُعزز هذا احتمال استرداد كامل أو أعلى لمبلغ القرض مما يُقلل من المخاطر بالنسبة للمقرضين.
- معدلات فائدة أقل
تحمل الديون الأساسية عادةً معدلات فائدة أقل موازنةً بالديون الثانوية أو تمويل حقوق الملكية، مما يعكس وضعها من ناحية الأولوية، ويقدّم المقرضون شروط أكثر ملاءمة للمقترضين الذين لديهم ديون أساسية نظرًا لأولويتها العالية وانخفاض مستوى المخاطر، ويؤدي انخفاض أسعار الفائدة إلى انخفاض تكاليف الاقتراض للمقترض مما يؤدي إلى انخفاض مدفوعات خدمة الدين وتحسين الربحية.
تختلف أسعار الفائدة اعتمادًا على الجدارة الائتمانية للمقترض وظروف السوق السائدة، وتؤثر أسعار الفائدة المرتفعة على قدرة المقترض على الوفاء بالتزامات خدمة الدين.
- زيادة القدرة على الاقتراض
تُعد الجدارة الائتمانية والاستقرار المالي للمقترض من الاعتبارات الحاسمة للديون الأساسية، إذ يُقيّم المقرضون قدرة المقترض على توليد تدفق نقدي كافٍ لتلبية الفوائد والمدفوعات الرئيسية، وتزيد مخاطر الائتمان المرتفعة من احتمالية التخلف عن السداد، مما يُعرّض سداد الديون الأساسية للخطر.
يمكن للمقترضين الوصول إلى مبالغ أكبر من رأس المال موازنةً بأشكال أخرى من الديون أو تمويل رأس المال من خلال تأمين ديون كبيرة، إذ يشعر المقرضون براحة أكبر عند تقديم مبالغ كبيرة للقروض عندما يملكون أولوية في السداد ومخاطر أقل، وتسمح قدرة الاقتراض المتزايدة هذه للمقترضين بتمويل المشاريع الكبيرة أو عمليات الاستحواذ أو التوسعات.
- المرونة في استخدام الأموال
يوفّر الدين الأعلى للمقترضين مرونةً في استخدام الأموال المقترضة، كما يوفّر أيضًا سلطة تقديرية في تخصيص الأموال لمختلف الاحتياجات التشغيلية أو النفقات الرأسمالية أو متطلبات رأس المال العامل أو إعادة تمويل الديون القائمة، وتتيح هذه المرونة للمقترض تلبية احتياجات مالية محددة وتحسين استخدام الأموال وفقًا لاستراتيجية أعمالهم.
- فترات سداد أطول
تكون فترات سداد الديون الأساسية غالبًا أطول موازنةً بخيارات الديون قصيرة الأجل، ويسمح ذلك للمقترضين بتوزيع مدفوعات خدمة الدين على مدى فترة طويلة مما يُقلل من عبء التدفق النقدي الفوري، فرُبما يكون ذلك مفيدًا بطريقة ما للمشاريع أو الاستثمارات التي تولّد تدفقات نقدية تدريجيًا أو تتطلب وقتًا أطول للوصول إلى الربحية.
- مرونة العهد
تقدّم اتفاقيات الديون الأساسية متطلبات تعهد أكثر تساهلًا موازنةً بأشكال الديون الأخرى، إذ تُعرف التعهدات بأنها شروط أو قيود مفروضة على المقترضين لحماية مصالح المقرضين، وتكون عادةً تعهدات الديون الأساسية أقل تقييدًا مما يسمح للمقترضين بمزيد من الحرية التشغيلية والمرونة في إدارة أعمالهم وشؤونهم المالية.
- الضمانات
يشمل الدين الأساسي غالبًا خيارًا للمقرضين لتأمين القرض بضمانات أو أصول محددة للمقترض، ويوفّر هذا الأمان طبقة إضافية من الحماية للمقرضين مما يُقلل من مخاطر عدم السداد، ويمكن تصفية الضمانات في حالة التخلف عن السداد مما يساعد على استرداد جزء أو كل الديون المستحقة.
- تنويع هيكل رأس المال
يؤدي تضمين الديون الأساسية في هيكل رأس مال الشركة إلى تعزيز التنويع، وتوازن الشركة بين المخاطر وتكلفة رأس المال من خلال وجود مزيج من تمويل الديون وحقوق الملكية، ويسمح الدين الأعلى بالوصول إلى تمويل الديون مع الاحتفاظ بالملكية والسيطرة على الأعمال.
- الفوائد الضريبية المحتملة
تُعفى مدفوعات الفائدة على الديون الأساسية من الضرائب بالنسبة للمقترضين مما يؤدي إلى انخفاض الدخل الخاضع للضريبة وربما انخفاض العبء الضريبي الإجمالي، وتجعل هذه الميزة الضريبية الديون الأساسية خيارًا تمويلًا أكثر جاذبيةً للمقترضين موازنة بتمويل الأسهم التي لا تُعفى أرباحها من الضرائب.
- بناء علاقات مع المقرضين
تساعد إدارة التزامات الديون الأساسية الناجحة في بناء علاقات قوية مع المقرضين، ويؤدي إنشاء سجل حافل بالسداد في الوقت المناسب والوفاء بالتزامات الديون إلى تعزيز سمعة المقترض وجدارة الائتمان في السوق، ويفتح هذا فرص تمويل مستقبلية وشروط تمويل مواتية للمقترض.
من المهم ملاحظة أن مزايا الديون الأساسية تأتي مع مسؤوليات والتزامات معينة لكل من المقترضين والمقرضين، ويجب على المقترضين الوفاء بالتزامات السداد الخاصة بهم، بينما يجب على المقرضين إجراء العناية الواجبة الشاملة ومراقبة السلامة المالية للمقترض للتخفيف من المخاطر بطريقة فعّالة.
الاعتبارات وعوامل الخطر الدين الأساسي
توجد العديد من العوامل المهمة واعتبارات المخاطرة التي يجب أخذها في الحسبان عند التفكير في الديون الأساسية وهي كالآتي:
- ظروف السوق
تؤثر العوامل الاقتصادية وظروف السوق كثيرًا على المخاطر المرتبطة بالديون الأساسية، إذ تعيق على المقترض على سداد الديون، ومن هذه العوامل تقلبات أسعار الفائدة، والتضخم، ومخاطر العملة، والاستقرار العام للسوق، كما تزيد ظروف السوق المعاكسة من مخاطر التخلف عن السداد وتؤدي إلى خسائر لكبار حاملي الديون.
- الضمانات والأمان
تؤمّن الديون الأساسية بضمانات أو أصول محددة مما يوفّر حماية إضافية للمقرضين، بالإضافة إلى ذلك، تساعد الضمانات في التخفيف من المخاطر من خلال توفير مصدرًا للسداد في حالة التخلف عن السداد، وتلعب جودة وقيمة الضمان دورًا مهمًا في تقييم المخاطر المرتبطة بالديون الرئيسية.
- مخاطر السيولة
يكون للديون الأساسية فترات استحقاق مختلفة تتراوح من قصيرة الأجل إلى طويلة الأجل.
تحمل الديون طويلة الأجل مخاطر سيولة أعلى إذ يصعُب بيعها أو تحويلها إلى نقد بسرعة إذا لزم الأمر، وتُعد القدرة على الوصول إلى الأموال في حالة الطوارئ أو متطلبات إعادة التمويل أحد الاعتبارات المهمة للديون الكبيرة.
- المخاطر التنظيمية والقانونية
تؤثر التغييرات في اللوائح أو الأطر القانونية على المخاطر المرتبطة بالديون الأساسية، إذ تمس هذه التغييرات شروط السداد، أو حالة الأولوية، أو قابلية التنفيذ العامة لاتفاقيات الديون، ويحتاج المقرضون إلى مراعاة البيئة القانونية والتنظيمية التي يعمل فيها المقترض لتقييم ملف المخاطر.
- المخاطر الخاصة بالصناعة والشركة
تؤدي طبيعة عمل المقترض وصناعته إلى مخاطر إضافية، إذ تؤثر عوامل مثل المنافسة والتقدّم التكنولوجي وطلب السوق والضغوط التنظيمية على قدرة المقترض على توليد تدفق نقدي كافٍ لسداد الديون، فيجب على المقرضين تقييم المخاطر المحددة المتعلقة بصناعة المقترض ونموذج أعماله.
- عوامل الاقتصاد الكلي
تؤثر الظروف الاقتصادية الأوسع على المخاطر المرتبطة بالديون الأساسية، مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات البطالة والعوامل الجيوسياسية، ويؤدي الانكماش الاقتصادي إلى انخفاض التدفقات النقدية وزيادة احتمالية التخلف عن السداد، ويجب على المقرضين تقييم مدى تعرض المقترض لمخاطر الاقتصاد الكلي.
- الدفع المسبق ومخاطر الاستدعاء
تحتوي بعض الديون الأساسية على أحكام تسمح للمقترضين بسداد الدين في وقت أبكر من تاريخ الاستحقاق أو استدعاء الدين قبل تاريخ الاستحقاق، وتقدّم خيارات الدفع المسبق أو إيصال هذه المخاطر للمقرضين مما يؤدي إلى فقدان مدفوعات الفائدة المستقبلية أو الحاجة إلى إعادة استثمار الأموال بأسعار فائدة منخفضة.
يجب على المقرضين والمستثمرين تحليل وتقييم هذه العوامل والمخاطر بعناية قبل تقديم تمويل كبير للديون، إذ يُعد تقييم الجدارة الائتمانية وإجراء العناية الواجبة الشاملة والبقاء على اطّلاع بشأن ظروف السوق والصناعة أمرًا بالغ الأهمية لاتخاذ قرارات مستنيرة فيما يتعلق باستثمارات الديون الأساسية.
مثال عن الديون الأساسية
يُسدد أولًا لحملة السندات عند حدوث أي تدفق نقدي داخل الشركة، وفي حال إفلاسها أيضًا سوف تُسدد وتُصفى لحملة السندات وحملة الأسهم العادية أولًا وأخيرًا.
وبذلك تُعد الديون الأساسية ديون طويلة أجل ذات ضمان عالٍ ومخاطر أقل، ويفضّل المستثمرون المتحفظون التعامل معها.
الفرق بين الديون الأساسية والديون الثانوية
يُسدد لأصحاب الديون الأساسية أولًا ثم لأصحاب الديون الثانوية في حال أُشهر إفلاس شركة ما، وفي هذه الحالة يمكن بيع أصول الشركة العامة لسداد الديون الأساسية المضمونة ومن ثم سداد الديون غير المضمونة، وفي حال بقيت أي أصول عامة فسيكون السداد بواسطتها لحملة الديون الثانوية؛ لذا يتعرض حملة الديون الثانوية لمخاطر عدم استيفاء جميع مستحقاتهم من الشركة المقترضة.
الخاتمة
تعرفنا على الدين الأساسي وهو الأموال المقترضة التي لها أولوية في السداد عند إفلاس الشركة عن غيرها من الديون الأخرى، ويكون لكل نوع من أنواع التمويل مستوى أولوية مختلف عن غيره، ويعد الدين الأساسي أول فئة من التزامات الشركة، وتعرّفنا على الديون الأساسية المضمونة وغير المضمونة.
تلعب الديون الأساسية دورًا محوريًا في عالم التمويل، إذ توفر التمويل للكيانات مع توفير مستوى من الأمان والأولوية في السداد للمقرضين، وتعمل خصائص الدين الأساسي على جعله خيارًا تمويليًا جذابًا للمقترضين واستثمارًا أكثر أمانًا نسبيًا للمقرضين، مثل الأولوية في السداد، وانخفاض أسعار الفائدة، والضمانات، وبالرغم من ذلك يخضع الدين الأساسي لعوامل أساسية مثل مخاطر التبعية، وظروف السوق، والجدارة الائتمانية للمقترض، والمخاطر الخاصة بالصناعة عند تقييم جدوى استثمارات الديون الأساسية، ويتخذ المقترضين والمقرضين قرارات مستنيرة لدعم أهدافهم المالية بطريقة فعّالة من خلال فهم تعقيدات الديون الأساسية والمخاطر المرتبطة بها.