تُعد الأدوات المالية المتوافقة مع المبادئ الشرعية وسيلة فعالة لجذب الاستثمارات وتنويع مصادر التمويل في الاقتصاد الحديث. فهي تجمع بين الجوانب الاستثمارية والالتزام بالقيم الأخلاقية التي ترفض التعامل بالفائدة، مما يجعلها خياراً مثالياً للعديد من المستثمرين حول العالم. تمثل هذه الأدوات حلًا مبتكرًا يسمح للشركات والحكومات بتمويل مشاريعها وتوسيع أنشطتها الاقتصادية بطريقة تحقق التوازن بين الربح والمصلحة العامة.
تعريف الصكوك الاسلامية Sukuk
تُعد الصكوك Sukuk شهادة مالية تشكل قيمة من حصة معلومة من الأصول، مثل أصول: الحقوق Equity كحقوق الملكية أو العقارات، أو أوراق مالية، مثل: نقود، وتُصدر اعتمادًا على أحكام الشريعة الإسلامية، وتعاملُ معاملة المال العادي عند عقد صفقات الشراء، والبيع.
يقصد بالصكوك الإسلامية تحويل مجموعة من الأصول المدرة للدخل غير السائلة إلى صكوك قابلة للتداول مضمونة بهذه الأصول ومن ثم بيعها في الأسواق المالية مع مراعاة ضوابط التداول، عرفت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية والتي يشار إليها اختصارًا AAOIFI الصكوك الإسلامية بأنها وثائق متساوية القيمة تمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو في ملكية موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص، وذلك بعد تحصيل قيمة الصكوك، وقفل باب الاكتتاب وبدء استخدامها فيما أصدرت من أجله.
وتُعرفُ أيضًا الصكوك الإسلامية بأنها سند مالي إسلامي مرتبط بحصة في ملكية ما، أو منفعة محددة القيمة، وتقبل التداول والتعامل بها تبعًا لنظام المصارف الإسلامية المطبق محليًا وعالميًا وتعتمد على ربطها بتاريخ استحقاق محدد يُتفق عليه بين صاحب الصك الإسلامي، والجهة المسؤولة عن إصداره سواءً أكانت بنكًا أو مؤسسةً مالية إسلامية، أو مُحرر الصك المالي.
أصبحت الصكوك ذات شعبية كبيرة في بداية عام 2000 حين أصدرت ماليزيا أول صك إسلامي، وتبعتها دولة البحرين عام 2001، وتستخدم الشركات الإسلامية والمنظمات في وقتنا الحالي على حدٍ سواء الصكوك. وتستحوذ الصكوك على حصة ضخمة من سوق السندات العالمي.
أهمية الصكوك الإسلامية
حظي إصدار الصكوك الإسلامية باهتمام كبير نتيجة للكثير من العوامل أبرزها:
- توضيح مدى حكمة وسعة وتكامل النظام الإسلامي.
- تأدية احتياجات الدولة في تمويل مشاريع البنية التحتية والتنموية عوضًا عن الاعتماد على الدين العام وسندات الخزينة.
- إتاحة الفرصة أمام البنوك المركزية لاستخدام الصكوك الإسلامية تحت إطار السياسة النقدية تبعًا للمنظور الإسلامي بما يساهم في امتصاص السيولة، ومن ثم خفض معدلات التضخم، وإتاحة الفرصة أمام المؤسسات المالية الإسلامية لإدارة السيولة الفائضة لديها.
- المساهمة في تحسين ربحية المؤسسات والشركات المالية ومراكزها المالية لأن عمليات إصدار الصكوك الإسلامية تُصنف من العمليات خارج الميزانية ولا تحتاج إلى تكلفة كبيرة في تمويلها وإدارتها.
- تساعد الصكوك في زيادة أداة الشفافية في العمل، وتحسين بنية المعلومات في السوق، لأنه يحتاج الكثير من الإجراءات، ودخول الكثير من المؤسسات في عملية الإقراض، مما يوفر المزيد من المعلومات في السوق.
خصائص الصكوك الإسلامية
تتعدد خصائص الصكوك الإسلامية تبعًا نوعها، والهدف منها، نذكر من ذلك ما يأتي:
- تعتمد على فكرة مشاركة الأطراف بالربح والخسارة: وفي هذه الخاصية يعطي كل صك مالكه حصة من الأرباح التي بموجبها يقدم الصك في المشروعات أو الاستثمارات المختلفة، وتوزع الحصص اعتمادًا على اتفاق مسبق بين كافة الأطراف، ولا يعتمد هذا التوزيع على الأرباح فقط بل توزع الخسائر أيضًا.
- تصدر بفئات ذات قيمة ثابتة وباسم مالك واحد: أي إن الصكوك الإسلامية تمثلُ حصصًا معروفةً، مثل: الاستثمارات المالية، والمباني، ويساعدُ ذلك في سهولة تطبيق المعاملات المالية باستخدام هذه الصكوك.
- تُتداول بالاعتمادِ على أحكام الشريعة الإسلامية: أي يعتمدُ إصدار هذه الصكوك، والتعامل بها على المبادئ، والقواعد الإسلامية تبعًا لمعايير الاستثمار والتمويل الإسلامي.
أنواع الصكوك الإسلامية
تُحّرّم الشريعة الإسلامية التعامل بالفائدة والربا، ولذلك لا يمكن استعمال أدوات الدين التقليدية مثل السندات كوسائل استثمار، لذلك صُممت الصكوك عن طريق الربط بين التدفقات النقدية الناجمة عن التمويل وبين الأصل المُشترى، وتوزع عوائد هذا الأصل بفعالية ولا تسمحُ طريقة تصميم الصكوك بجمع الأموال إلا لأصول معروفة ومحددة، اعتمادًا على ما سبق، لا يمتلك المستثمر في الصكوك التزامًا بالدين يدين به منشئ الصك، وإنما يمتلك جزء من الأصل؛ أي أن حامل الصك يحصل على جزء من أرباح الأصل المتعلق بالصك على خلاف حامل السند.
تتعدد أنواع الصكوك مثلما تتعدد طرق الاستثمار وكل صك له استخداماته وتطبيقاته ومن أشهر أنواع الصكوك نذكر:
- صكوك استثمارية
تمثل الصكوك الاستثمارية أوراقًا مالية تكون كحق تملك المشروع الذي يمول عن طريق الصكوك، ويحق لحاملها نسبة من أرباح المشروع، كما ويوجد فيها ربح وخسارة.
- صكوك المضاربة
يُستعمل صك المضاربة من قبل المضارب في مشروع ما، وذلك من أجل الحصول على حصة محددة من أرباح المشروع باعتباره مدير المشروع والمسؤول عنه.
- صكوك الاستصناع
تُعرف صكوك الاستصناع بأنها صكوك تُطرح لجّمع مبلغ لإنشاء مبنى أو شرائه أو إنشاء آلات أو معدات مطلوبة من مؤسسة معينة بمبلغ يزيد عن المبلغ اللازم لصناعتها، وحقوق حملة الصكوك تتمثل فيما دفعوه ثمنًا لهذه الصكوك إضافة إلى الربح الذي يمثل الفرق بين تكلفة الصناعة وثمن البيع.
- صكوك المرابحة
هو الصك الذي يحمل قيمة شراء شيء ما في المشروع، إذ يكون الربح من خلال شراء المعدات، وبيعها من خلال المرابحة.
- صكوك المشاركة
تُعرف صكوك المشاركة Participation Instruments بأنها عبارة عن وثائق متساوية القيمة تصدر لاستخدام حصيلة الاكتتاب من أجل إنشاء مشروع استثماري، ويصبح موجودات المشروع ملكًا لحملة الصكوك، وتُدار الصكوك اعتمادًا على عقد المشاركة بتعيين أحد الشركاء لإدارتها بصيغة الوكالة بالاستثمار، ولها العديد من الأنواع مثل صكوك المشاركة المستمرة والمؤقتة وصكوك المشاركة في مشروع معين والإدارة لمصدرها، أو الإدارة لجهة أخرى. يكون هذا الصك قريبًا لمبدأ الأسهم الذي يصدره متعهدو المشروع.
- صكوك التجارة
تسمى أيضًا بصك التمويل وهو الذي تطلبه الحكومة من مؤسسات التمويل، مثل البنوك من أجل استعمالها في شراء مادة أو مواد بنسبة مرابحة معينة.
- صكوك السلم
تمثل ملكية شائعة في رأس مال السلم لتمويل شراء سلع ستستلم في المستقبل ثم تسوق لبيع العملاء، ويكون العائد على الصكوك هو الربح الناتج عن البيع، ولا تُتداول هذه الصكوك إلا بعد أن يتحول رأس المال إلى سلع، وذلك بعد استلامها وقبل بيعها، وتمثل الصكوك حينها ملكية رائجة لهذه السلع، وتعد صكوك السلم أداة متميزة لجذب الموارد المالية للحكومات والشركات والأفراد الذين يعملون على إنتاج زراعي أو تجاري أو صناعي، ويستطيع المنتج تمويل عمليات الإنتاج من خلال بيع البضاعة بالآجل.
- صكوك الإجارة
تُعرف صكوك الإجارة Lease Bonds بأنها عبارة عن وثائق متساوية القيمة تمثل حصة في ملكية أعيان أي سادة وكبار المجتمع أو خدمات منافع في مشروع استثماري يعود بدخل كبير، والهدف منها تحويل الأعيان والخدمات والمنافع التي ترتبط مع عقد الإجارة إلى أوراق مالية صكوك قابلة للتداول في الأسواق الثانوية.
- صكوك المزارعة
تحمل هذه صكوك قيمًا متساوية يصدرها مالك الأرض الزراعية بهدف تمويل تكاليف الزراعية بموجب عقد المزارعة ويتشارك حملتها في المحاصيل المنتجة بحسب الاتفاق الذي نص عليه العقد.
- صكوك المساقاة
هي وثائق متساوية القيمة تُصدر لاستعمال حصيلتها في سقي أشجار مثمرة والإنفاق عليها ورعايتها على أساس عقد المساقاة، ويصبح لحملة الصكوك حصة من المحصول وفق ما حدده العقد، ويصدر مالك الأشجار صكوك المساقاة في محل التعاقد من أجل تمويل عمليات السقي والرعاية ويتشارك حملتها في المحاصيل المنتجة بموجب عقد المساقاة.
يذكر أن هنالك أنوعًا أخرى للصكوك مثل صك المنافع، وصك المغارسة، وصك الخدمات وغيرها.
كيفية إصدار الصك الاسلامي
يصدر الصك من المنشئ مباشرة إلى حامل الصك أو من خلال طرف ثالث يدعى الشركة ذات الغرض الخاص Special-Purpose Vehicle والتي يشار إليها اختصارًا SPV. أي يكون التفاعل بين ثلاثة أطراف وهي:
- المنشئ: هي الشركة التي تحتاج للتمويل.
- الشركة ذات الغرض الخاص Special Purpose Vehicle: وهي وسيط مسؤول عن إصدار الصك.
- حامل الصك: المستثمر.
مثال على الصكوك تُنقل الأصول أو الحق في استعمال أصول محددة أي حق الانتفاع في صكوك الإجارة من المنشئ إلى الشركة ذات الغرض الخاص، ثم يشتري المستثمرون شهادات الصكوك من الشركة، وهذا يعطي المستثمرين حق الملكية في الأصول أو حق الانتفاع الذي نقله.
تؤجر الشركة الأصول إلى إحدى الشركات لاحقًا، والتي بدورها تسدد مدفوعات الإيجار المجدولة، وتوزع هذه المدفوعات على حاملي الصكوك، ويمكن أن يكون الدفع لحاملي الصك فوريًا عند استلام أموال من الشركة أو على فترات محددة.
الخصائص المشتركة بين الصكوك والسندات
- يمنح كلاهما للمستثمرين دفعات سداد محددة بالرغم من اختلاف قيمة الدفعات.
- تصدر الصكوك والسندات للمستثمرين في البداية.
- يُعد كلاهما استثمارًا أكثر أمانًا من الأسهم.
الفرق بين الصكوك والسندات
يمكن إظهار الفرق بين الصكوك الإسلامية والصكوك العادية (السندات) من خلال الجدول الآتي:
وجه الموازنة | الصكوك الإسلامية | الصكوك العادية أو السندات |
---|---|---|
نوعية الملكية | ملكية أصل محدد، ويشكل بيع الصك بيعًا لحصة من الأصل المحدد. | لا يوجد ملكية وإنما هي دين، ويشكل السند في الأساس بيع دين. |
الفائدة | لا تتعامل بالفوائد بل تعتمدُ على المرابحة. | تتعامل بالفوائد وتفرض قيمة الفائدة على كامل القيمة المالية للصك. |
قيمتها | تعتمد قيمة الصكوك على قيمة الأصول الداعمة لها ولو تعرّض الأصل الداعم للصكوك للإهلاك، ستقل قيمة الصكوك معه. | يعتمد سعر السندات على تقييمها الائتماني وتعتمد أرباح السندات على سعر الفائدة فقط. |
مصدر الأحكام القانونية | تعتمد اعتمادًا كليًا على أحكام الدين الإسلامي. | تعتمد على الأحكام المالية العامة. |
القدرة على مبادلتها | تكون قابلة للمبادلة سواء عن طريق البيع أو المشاركة أو التحويل لقيمة مالية أخرى. | تمثل دينًا وتباع قيمتها المالية فقط؛ أي قيمة الدين وغالبًا لا يمكنُ مبادلتها بسهولة. |
طريقة استعمال الأموال | لا يمكن استعمال الأموال التي يجمعها الصك إلا في الأنشطة المسموح بها في الإسلام. | يمكن أن تمول السندات أي نشاط تجاري. |
أكثر الدول التي تتعامل بالصكوك الإسلامية
لجأت العديد من الدول للصكوك بعد أن وجدتها كحل مثالي وبديل شرعي للسندات، منها دول مجلس التعاون المتمثل بمملكة البحرين، ودولة الكويت، وسلطنة عمان، ودولة قطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة بالإضافة لبعض الدول الأخرى مثل إيران وماليزيا والسودان وباكستان واستخدمت بعض الدول الأجنبية أيضًا هذا النظام مثل ألمانيا، واليابان، وبريطانيا، وغيرها.
سارعت دولة الإمارات العربية المتحدة في استخدام نظام الصكوك في اقتصادها وأنشأ فيها البنك التجاري الأول الذي يتعامل بالصكوك وهو بنك دبي الإسلامي في عام 1975، وهناك أيضًا مصرف عجمان وبنك الهلال. واستفادت الدولة بصورة ضخمة من هذه الصكوك، إذ أُصدرت حوالي سبعة مليارات دولار أمريكي من هذه الصكوك في عام 2006، وأُصدرت في عام 2007 حوالي اثني عشر مليار دولار أمريكي أيضًا، ومن أهم المشاريع الإماراتية التي مُولت بهذه الصكوك هو مشروع ميناء خليفة والمنطقة الحرة.
الخاتمة
تعرفنا على الصكوك Sukuk وهي شهادة مالية تشكل قيمة من حصة معلومة من الأصول، تشبه مفهوم السندات في الاقتصاد الغربي، ولكنها ملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية، كما اطلعنا أيضًا على أنواع الصكوك، وخصائصها، والتشابه والاختلاف بين الصكوك والسندات، لتختتم المقال باستعراضنا لكيفية استثمار دولة الإمارات في هذه الصكوك لبناء البنية التحتية الخاصة بها.