كانت الهجرة منذ فترة طويلة قضية مثيرة للجدل في العديد من البلدان، حيث تركزت المناقشات في كثير من الأحيان على تأثيرها الاقتصادي. وفي حين يزعم البعض أن المهاجرين يستنزفون الموارد ويأخذون الوظائف من المواطنين المولودين في البلاد، فإن آخرين يؤكدون أن المهاجرين يجلبون مهارات قيمة، وروح المبادرة، والتنوع الذي يدفع النمو الاقتصادي.
لنستكشف القوة الاقتصادية للمهاجرين والجوانب المختلفة لمساهماتهم في اقتصادات البلدان المضيفة.
قوة المهاجرين في الاقتصادات المحلية
تتجلى قوة المهاجرين في الاقتصادات المحلية في عدة جوانب التي تؤثر تأثيرًا إيجابيًا على الاقتصادات وتعزز تنميتها واستدامتها. لسنستعرض بعضًا من هذه الجوانب:
- المشاركة في القوى العاملة وخلق فرص العمل
غالباً ما يشكل المهاجرون جزءاً حيوياً من القوى العاملة في العديد من الصناعات، وخاصة تلك التي تواجه نقصاً في العمالة. فهي تساهم في خلق فرص العمل بشكل مباشر، من خلال ملء الأدوار التي كانت ستظل شاغرة لولا ذلك، وبشكل غير مباشر، من خلال تحفيز الطلب على السلع والخدمات من خلال استهلاكها. وقد أظهرت الدراسات أن المهاجرين هم أكثر عرضة لبدء أعمال تجارية جديدة، وخلق فرص عمل ليس فقط لأنفسهم ولكن أيضا للعمال المحليين.
كما يسد المهاجرون فجوات المهارات الحرجة في صناعات مثل الرعاية الصحية والتكنولوجيا والهندسة، مما يعزز مرونة القوى العاملة والقدرة على التكيف. وتساهم مهاراتهم وخبراتهم المتنوعة في الابتكار وحل المشكلات، مما يجعل الشركات أكثر مرونة وتنافسية في الاقتصاد العالمي سريع التغير.
- الإبتكار وريادة الأعمال
المهاجرون معروفون بروحهم الابتكارية وروح المبادرة لديهم. يتم تأسيس العديد من الشركات والشركات الناشئة الناجحة أو المشاركة في تأسيسها من قبل المهاجرين، مما يساهم بشكل كبير في الحيوية الاقتصادية للبلد. إنهم يجلبون وجهات نظر ومهارات وأفكار متنوعة يمكن أن تؤدي إلى ابتكارات خارقة، وتعزيز القدرة التنافسية ومكاسب الإنتاجية في القطاعات الرئيسية.
وكثيراً ما يساهم رواد الأعمال المهاجرون في بيئة ريادة الأعمال النابضة بالحياة، مما يعزز ثقافة الابتكار، وخوض المخاطر، والتعاون. فهم يعملون على إنشاء الشبكات وفرص التوجيه والوصول إلى رأس المال الذي يستفيد منه رواد الأعمال من المهاجرين والمولدين على حد سواء، مما يؤدي إلى تحفيز الديناميكية الاقتصادية وخلق فرص العمل.
- المساهمات الضريبية والضمان الاجتماعي
وخلافاً للاعتقاد بأن المهاجرين يشكلون استنزافاً للموارد العامة، فإنهم كثيراً ما يساهمون في الضرائب أكثر مما يحصلون عليه من الفوائد. وينطبق هذا بشكل خاص على المهاجرين المهرة الذين يميلون إلى كسب رواتب عالية وبالتالي دفع المزيد من ضرائب الدخل في الدول التي تطبق ضريبة الدخل. كما يساهم المهاجرون في أنظمة الضمان الاجتماعي، مما يساعد على دعم السكان المسنين.
غالبًا ما يرسل المهاجرون الأموال إلى بلدانهم الأصلية في شكل تحويلات مالية، والتي تلعب دورًا مهمًا في العديد من الاقتصادات النامية. تدعم هذه الأموال العائلات والشركات المحلية وتنمية المجتمع، مما يخلق تأثيرات اقتصادية إيجابية على مستوى العالم ويعزز العلاقات الدولية.
- زيادة الاستهلاك وتنشيط السياحة الداخلية
يساهم المهاجرون في الإنفاق الاستهلاكي، مما يعزز الطلب على السلع والخدمات في مختلف القطاعات مثل البيع بالتجزئة والإسكان والرعاية الصحية. إن مشاركتهم في سوق الإسكان، سواء كمستأجرين أو أصحاب منازل، تحفز صناعات البناء والعقارات، مما يخلق نشاطًا اقتصاديًا إضافيًا وفرص عمل.
يعمل المهاجرون على إثراء النسيج الثقافي للبلدان المضيفة، حيث يجذبون السياح المهتمين بتجربة المأكولات والتقاليد وأنماط الحياة المتنوعة. لا يعمل هذا التبادل الثقافي على تعزيز السياحة فحسب، بل يعزز أيضًا الإبداع والتفاهم بين الثقافات، مما قد يؤدي إلى مشاريع تجارية جديدة وتعاون.
إقرأ أيضًا: مقدمة سريعة إلى الاقتصاد الفضي استكشاف الفرص والتحديات
تجربة الاقتصاد السويدي مع المهاجرين
تشهد دولة السويد نمو اقتصادي ضخم بوتيرةٍ سبقت مثيلاتها في الاتحاد الأوروبي؛ وذلك بفضل تدفُّق أعدادٍ كبيرةٍ من اللاجئين والمهاجرين والوافدين لها وهذا دليلُ نجاحٍ حقيقيٍّ لجذب العمالة الأجنبية إليها، واستعمالها كأداة داعمة في سوق العمل.
قدَّم المهاجرين علاوات ضخمة للاقتصاد السويدي الذي يبلغ حجمه 540 مليار دولار؛ إذ أنتج استقبالُ السويد لأعداد ضخمة من المهاجرين واللاجئين قرابة 600 ألف على مدار السنوات الخمس الماضية؛ وهي من أعلى معدَّلات النموِّ في أوروبا، وستساهم في التصدي للأزمات الناجمة عن الشيخوخة أيضًا.
يرى الخبير الاقتصادي لارس كريستنسن Lars Christensen؛ أن هؤلاء المهاجرون واللاجئون جاؤوا في الوقت المناسب، وأنا قلق جدًّا لعدم وجود حوافزَ للعمل في دولة تتميز بالرفاهية كالسويد، ولكنني لست قلقًا بشأن 250 ألف لاجئ وصلوا للسويد؛ إذ ازداد الناتجُ المحلي الإجمالي GDP في السويد أكثر من 3% في الربعَين الأول والثاني من العام 2018؛ وهو أسرعُ معدل نمو في أوروبا والذي بلغ 2% في السنوات الأخيرة، ومنحت الحكومة السويدية آلاف رُخص العمل للمزارعين والمبرمجين والطبَّاخين، وشكَّل العاملون الأجانب الحصَّةَ الأكبر في القطاع الصناعي للعام الماضي، ونسبةَ 90% من الوظائف الحديثة في قطاع الرعاية الاجتماعية ولاسيِّما رعاية المسنين والرعاية الصحية.
من جانب آخر بينت وزيرة المالية السويدية ماجدالينا أندرسون في 16/08/2018 قائلتًا: يحصل الوافدون اليوم على وظائفَ أسرع بمرتين من المهاجرين الذين وصلوا إلى السويد في أواخر العقد الماضي؛ مثل طلبة العلم، والمرافقين غير المصرح لهم بالعمل، إذ يبلغ معدَّل المهاجرين في السويد 82%؛ أي أعلى بما يقارب 4% من متوسط العمالة الأجنبية في الاتحاد الأوروبي.
مازال سوقُ العمل في السويد يُواجه مراحلَ صعبة لاستيعاب التدفق الهائل من العمال حتى بوجود قرابة 100000 شاغر وظيفي؛ إذ بلغت نسبة البطالة الأجنبية 20% موازنةً بـ 6.8% من إجمالي نسبة البطالة المحليّة والعالميّة.
يرغب الديمقراطيون في السويد دائمًا بتوقف البلاد عن استقبال طلبات اللجوء مُدَّعين بأنَّ الزيادة في نِسَب المواطنة الأجنبية تُهدد التماسك الاجتماعي للأمة، إضافة إلى التسبُّب باستنزاف نظام الرعاية الاجتماعي، ومن المتوقَّع أن يحصل الحزب على دعم بنسبة أكبر من 20% من إجمالي الناخبين بحسب استطلاعات الرأي.
حثَّ رئيس الحكومة السويدي السابق فريدريك راينفيلدت Fredrik Reinfeldt في عام 2014 المواطنين السويديين على استقبال اللاجئين برحابةِ صدر؛ ولكن أزعجت الكميات الكبيرة للاجئين السكان السويديين في السنوات الأخيرة؛ إذ أشارت وسائل الإعلام المحلية بأنَّ نسبة تزايد الجريمة في السويد تتوافق تمامًا مع ازدياد عدد اللاجئين الأجانب، إضافة إلى تصويرها اللاجئين على أنهم عبء على دافعي الضرائب، وبما أن الديمقراطيين في السويد استغلوا موضوع اللاجئين لتحقيق أهدافهم السياسية؛ فإن جميع الأحزاب الأساسية أيدت فكرةَ فرض القيود للحد من استقبال اللاجئين أيضًا.
ساهم وجود برنامج ماجستير إدارة الأعمال المُصغَّر في مدرسة ستوكهولم للاقتصاد the Stockholm School of Economics في زيادة فرص اللاجئين في الدراسة فيها، والتي تُقدِّم دورات مُكثَّفة مدَّتها 10 أسابيع تشمل دراسات إدارية وثقافة العمل السويدية للمهنيين الوافدين حديثًا، وأيضًا سبعة أشهر تدريب في شركات سويدية مثل Telefonaktiebolaget LM Ericsson وSpotify Technology SA وفي القطَّاع المصرفي كمصرف Nordea Bank AB أيضًا، والجدير بالذكر أنه تخرَّج 29 طالبًا خلال عامين من هذا البرنامج.
ذكر المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Novare Potential وهي شركة توظيف مختصة باختيار المرشحين وتعرضهم على المشاريع المتنوعة وتكون الأولوية المطلقة لدى الوافدين دائمًا هي إيجاد عمل قبل أيِّ شيء، ونجد إحباطًا واضحًا لدى هذه المجموعات دائمًا.
الخاتمة
تشهد دولة السويد نمو اقتصادي ضخم بوتيرةٍ سبقت مثيلاتها في الاتحاد الأوروبي؛ وذلك بفضل تدفُّق أعدادٍ كبيرةٍ من اللاجئين والمهاجرين والوافدين لها، ويُشجِّع الحزب القومي هذا التزايد من أجل الحصول على أكبر عددٍ من أصوات الناخبين في الانتخابات المُقبلة.