تبرز تحديات متنوعة تواجهها الشركات في مسيرتها نحو النجاح. من بين هذه التحديات، توجد مواقف معقدة تستدعي استراتيجيات حاسمة لضمان الاستمرارية وحماية المصالح. التصدي لمثل هذه المواقف يتطلب فهماً عميقاً للأساليب المختلفة التي يمكن أن تؤثر على مستقبل الشركات، إلى جانب القدرة على اتخاذ قرارات ذكية تساعد في الحفاظ على الاستقلالية والابتكار.
تعريف الاستيلاء العدائي Hostile Takeover
يدل مصطلح الإستيلاء العدائي Hostile Takeover إلى سيطرة شركة على شركة أخرى بمخالفة رغبة الشركة الأولى. إن الشركة التي يستحوذ عليها في الاستيلاء العدائي تلقب بالشركة المستهدَفة Target Company، والشركة التي تنفذ الاستحواذ تلقب الشركة المستحوذة.
في عملية الاستيلاء العدائي تذهب الشركة المستحوذة بشكل مباشر إلى المساهمين في الشركة أو تقاتل لاستبدال مجلس الإدارة وتعيين إدارة تتماشى مع الاستحواذ. إن الموافق على الاستحواذ العدائي تكتمل عادةً من خلال طريقتين وهما:
- عرض عطاء Tender Offer: وهو محاولة شراء جزء كبير من أسهم الشركة المستهدفة مقابل سعر عادة ما يكون أعلى من القيمة السوقية للسهم، ويحفز هذا السعر المرتفع حاملي الأسهم على بيع ما يملكونه من أسهم في هذه الشركة.
- القتال بالوكالة Proxy fight: لا يحاول المشتري في هذه الحالة شراء الأسهم، وإنما يعمل على إقناع المساهمين بالتصويت لتغيير فريق إدارة الشركة من أجل استبداله بفريق إداري آخر يوافق على صفقة الاستحواذ، تعد هذه الطريقة هي الأخطر والأكثر شعبية لأنها تتجاوز العديد من الدفاعات التي يمكن أن تضعها الشركات لمنع عمليات الاستيلاء العدائية.
إن العوامل التي تشجع المستحوذ على شراء الشركة هي اعتقاده بأن قيمة الشركة مُقدّرة بقيمة أقل من قيمتها بنسبة عالية، أو إذا كان هناك رغبة في الوصول إلى العلامة التجارية للشركة أو حصتها من السوق أو عملياتها أو تقنياتها في الصناعة. يمكن أن تكون عملية الاستحواذ العدائية أيضًا مثل حركات استراتيجية من المستثمرين النشطين الذين يرغبون في إحداث تغيير في عمليات الشركة.
غالبًا لا توافق إدارة الشركة المستهدفة على صفقة الاستحواذ العدائي، ويحدث هذا النوع من الصفقات عندما تحاول الشركة التحكم في شركة أخرى من غير موافقة أو تعاون مجلس إدارة الشركة المستهدفة، وعوضًا عن موافقة مجلس إدارة الشركة المستهدفة يمكن للشركة المستحوذ عليها عمل ما يلي:
- إصدار عرض شراء مغري.
- استعمال القتال بالوكالة.
- محاولة شراء المقدار الكافي من أسهم للسيطرة على الشركة.
عندما تحاول شركة أو مستثمر أو مجموعة من المستثمرين تقديم عرض عطاء لشراء أسهم شركة أخرى بعلاوة أعلى من القيمة السوقية الحالية CMV، يمكن أن يرفض مجلس الإدارة العرض، وتلجأ الشركة المستحوذة في وقتها إلى المساهمين الذين يمكن أن يوافقون على العرض إذا كان بعلاوة من القيمة السوقية بنسبة عالية أو إذا كانوا غير راضين عن الإدارة الحالية الموجودة.
في المعركة بالوكالة، يمكن أن تلجأ مجموعات المساهمين المعارضة لعدم الموافقة الإدارة إلى إقناع المساهمين الآخرين باستعمال الأصوات التي تعطيها لهم أسهمهم بالوكالة، وإذا حصلت الشركة التي تقدم عرض استحواذ عدائي على وكالات كافية، يمكنها استعمالها في التصويت بالموافقة على قبول العرض.
الدفاع عن الشركة ضد الاستحواذ العدائي
عادة ما تضع إدارة الشركة المستهدفة دفاعات استباقية للحد من حدوث أي استحواذ غير مرغوب به، أو يمكن أن تستعمل دفاعات متنوعة لخوض المعركة ضد الشركة المستحوذة ومن أبرز الدفعات التي تستخدمها الشركات نذكر:
- استراتيجية حقوق التصويت المتمايزة Differential Voting Rights
تشير استراتيجية حقوق التصويت التفاضلية Differential Voting Rights إلى نظام يتمتع فيه بعض المساهمين في الشركة بقوة تصويت أكبر من غيرهم. يمكن تحقيق ذلك من خلال إصدار فئات متعددة من الأسهم، ولكل منها حقوق تصويت مختلفة. على سبيل المثال، يمكن أن تصدر الشركة أسهمًا من الفئة أ Class A التي لها صوت واحد لكل سهم وأسهم من الفئة ب Class B التي لها عشرة أصوات لكل سهم. يمكن أن يمنح هذا بعض المساهمين، مثل مؤسسي الشركة أو المدراء التنفيذيين، سيطرة أكبر على عملية صنع القرار في الشركة، حتى لو كانوا يمتلكون نسبة أقل من الأسهم.
تلجأ الشركة إلى إصدار أسهم ذات حقوق تصويت مختلفة ومميزة للحماية من عمليات الاستحواذ العدائية، إذ تتمتع بعض الأسهم بقوة تصويت أكبر من غيرها وهذا سيُصعّب عملية الحصول على الأصوات اللازمة لموافقة مجلس الإدارة على عملية الاستحواذ العدائية. بالرغم من ذلك تعرض هذا النوع من الهيكل مثير للجدل وقد تعرض لانتقادات لأنه يحتمل أن يسمح لمجموعة صغيرة من المساهمين باتخاذ قرارات ليست في مصلحة جميع المساهمين.
- استراتيجية تملك الموظفين للأسهم Employee Stock Ownership
يساعد برنامج تملك الموظفين للأسهم Employee Stock Ownership إلى منح مزايا للموظفين على شكل حصة ملكية في الشركة التي يعملون بها. يمكن أن تتخذ برامج عدة أشكال، لكنها عادةً ما تتضمن ثقة تحتفظ بأسهم الشركة وتوزعها على الموظفين بمرور الوقت، غالبًا بناءً على طول مدة خدمتهم أو أدائهم الوظيفي. هذا يساعد زيادة تحفيز الموظفين والاحتفاظ بهم و إنتاجيتهم، وجذب الموظفين الموهوبين والاحتفاظ بهم.
يساعد برنامج على حفظ حصة كبيرة من الشركة ويمكن أن يكون الموظفون أكثر انحيازًا للتصويت مع الإدارة، وبالتالي يمكن أن يمكن أن يشكل ذلك قوة دفاعية ناجحة، لكن من المهم الملاحظة أن مثل هذه المخططات تعرضت للتدقيق والمراجعة في الماضي. وفي بعض الحالات، أبطلت المحاكم برامج تملك الموظفين الدفاعية على أساس أن الخطة وُضعت لصالح الإدارة وليس لصالح المساهمين.
- استراتيجية جوهرة التاج Crown Jewel
تنص هذه الاستراتيجية على بيع الأصول الأكثر قيمة مرتفعة إذا كان هناك استحواذ عدائي (مثلما يحدث عند بيع جوهرة التاج الملكي والتي تكون أكثر شيء قيم في التاج)، هذا الأمر يجعل الشركة المراد الاستحواذ عليها كفرصة أقل جاذبية من الشركات الأخرى، وتعد هذه الخطوة آخر خط من خطوط الدفاع للشركة.
- استراتيجية المظلة الذهبية Golden Parachute
المظلة الذهبية هي نوع من عقود العمل التي توفر تعويضات كبيرة للمدير التنفيذي إذا تم إنهاؤه أو تم إلغاء منصبه. يمكن أن تشمل هذه المدفوعات مكافأة نهاية الخدمة والمكافآت وخيارات الأسهم ومزايا أخرى. الفكرة من وراء المظلة الذهبية هي توفير الأمن المالي والحافز للمديرين التنفيذيين لاتخاذ قرارات صعبة قد تكون في مصلحة الشركة، حتى لو أدى ذلك إلى إنهاء أعمالهم. كانت المظلات الذهبية موضوعًا مثيرًا للجدل لعدة أسباب. يجادل البعض بأنهم يشجعون المديرين التنفيذيين على اتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر وإعطاء الأولوية لمكاسبهم المالية على رفاهية الشركة وموظفيها. يجادل آخرون بأنهم ضروريون لجذب المواهب المتميزة والاحتفاظ بها في بيئة أعمال تنافسية بشكل متزايد.
تتضمن المظلة الذهبية منح أعضاء الفريق التنفيذي للشركة المستهدفة مزايا مكافآت، مكافأة نهاية الخدمة، خيارات الأسهم، وغيرها من الأمور الأخرى إذا فُصلوا من وظيفتهم وذلك نتيجة لعملية استحواذ.
- استراتيجية باك مان الدفاعية Pacman Defense
تعرف استراتيجية باك مان الدفاعية Pacman Defense بأنها طريقة تستخدمها الشركة لصد محاولات الاستحواذ عليها. حصلت الاستراتيجية على اسمها من لعبة الفيديو الشهيرة “باك مان”، والتي يتعين على الشخصية أن تتنقل في متاهة وتلتهم النقاط بينما تتجنب الأشباح. في سياق محاولة الاستحواذ تحاول الشركة الضحية أو المستهدفة شراء الشركة التي تريد الاستحواذ عليها، يمكن أن تكون هذه الخطوة مكلفة ومحفوفة بالمخاطر بالنسبة للشركة المستهدفة، لأنها تحول الموارد بعيدًا عن العمليات الأساسية للشركة وتعرض استقرارها المالي الخاص للخطر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي دفاع Pac-Man أيضًا إلى حرب مزايدة، والتي يمكن أن ترفع سعر الشركة المستهدفة وتجعل من الصعب على أي من الجانبين تحقيق أهدافهما.
يمكن أن يكون دفاع Pacman إستراتيجية فعالة في مواقف معينة. على سبيل المثال، إذا كان لدى الشركة المُستهدفة ميزانية عمومية قوية وخطة إستراتيجية قوية، فيمكن أن تكون قادرة على إطلاق عرض مضاد يكون أكثر جاذبية للمساهمين من العرض الأصلي. هذا يمكن أن يجعل من الصعب على الشركة المستحوذة السيطرة على الشركة المستهدفة ويمكن أن يزيد أيضًا السعر الذي يجب أن تدفعه الشركة المستحوذة للحصول على الشركة المستهدفة.
مواردها الخاصة لإطلاق عرض مضاد للاستحواذ على الشركة التي تحاول الاستيلاء عليها. يُنظر استراتيجية بك مان الدفاعية Pac-Man Defense بأنها تضع الشركة في موضع كونها الهدف والمهاجم في محاولة للاستحواذ.
- استراتيجية الحبة السامة Poison Pill
استراتيجية Poison Pill هي نوع من دفاع الشركات تستخدمه الشركات لمنع عمليات الاستحواذ العدائية، وهي طريقة أداة مالية تُستخدم لتخفيف قيمة أسهم الشركة، من خلال إصدار الشركة المستهدفة عددًا كبيرًا من الأسهم الجديدة، والتي تعرض بعد ذلك للمساهمين الحاليين بسعر مخفض. يؤدي هذا إلى إضعاف قيمة أسهم الشركة، مما يجعلها أقل جاذبية للمستثمرين العدائيين، كما يجعل شراء الحصة المسيطرة في الشركة أكثر تكلفة. يذكر أن هناك نوعان من الحبوب السامة، وهي:
- التقليب للداخل Flip-in: تسمح هذه الطريقة لحملة الأسهم باستثناء المستحوذ بشراء أسهم إضافية بسعر مخفض، مما يعطي للمستثمرين أرباحًا فورية ويخفف من الأسهم التي تحتفظ بها الشركة المستحوذة، مما يجعل محاولة الاستيلاء أكثر كلفة وصعوبة.
- التقليب للخارج Flip-out: حملة الأسهم من شراء أسهم المستحوذ بعد عملية الاندماج بسعر مخفض. فمثلًا يمكن لحامل الأسهم أن يحصل على حق شراء أسهم مستحوذه في عمليات الاندماج اللاحقة بمعدل اثنين مقابل واحد.
يمكن أن تكون إستراتيجية Poison Pill وسيلة فعالة للشركة لدرء محاولات الاستحواذ غير المرغوب فيها. يمكن أيضًا استخدام هذه الاستراتيجية كأداة تفاوض إذ يمكن للشركة المستهدفة استخدام تهديد الحبة السامة لإجبار المشتري على رفع سعر العرض. ومع ذلك ،يمكن أن يكون مكلفًا للشركة المستهدفة، لأنها تقلل من قيمة سهم الشركة ويمكن أن تؤدي أيضًا لانخفاض سعر السهم. وانخفاض ثقة المساهمين في الشركة أيضًا.
أمثلة على الاستحواذ العدائي
يمكن أن يكون الاستيلاء العدائي عملية صعبة وطويلة وغالبًا ما تنتهي المحاولات بالفشل. على سبيل المثال، حاول المستثمر والملياردير الأمريكي كارل إيكان Carl Icahn ثلاث عطاءات منفصلة للاستحواذ على عملاق السلع المنزلية كلوروكس Clorox في عام 2011، لكن الشركة رفضت جميع هذه العروض وقدمت خطة جديدة لحقوق المساهمين في الدفاع عنها. حتى أن مجلس Clorox همش جهود Icahn القتالية بالوكالة، وانتهت المحاولة في نهاية المطاف في غضون بضعة أشهر دون استيلاء.
مثال على الاستحواذ العدائي الناجح هو استحواذ شركة الأدوية سانوفي Sanofi على شركة جينزايم Genzyme. أنتجت شركة جينزايم أدوية لعلاج الاضطرابات الوراثية النادرة ورأت شركة سانوفي في الشركة وسيلة للتوسع في صناعة متخصصة وتوسيع نطاق عروض منتجاتها. بعد أن لم تنجح عروض الاستحواذ الودية حيث رفضت شركة جينزايم مدفوعات شركة سانوفي، ذهبت شركة سانوفي مباشرة إلى المساهمين، ودفعت علاوة على الأسهم، وأضيفت إلى حقوق القيمة المشروطة، لينتهي الأمر باستحواذ شركة سانوفي على شركة جينزايم.
أحد الأمثلة الأخرى على الاستحواذ العدائي هو محاولة الاستحواذ على شركة الأدوية أسترازينيكا AstraZeneca ومقرها المملكة المتحدة من قبل شركة الأدوية الأمريكية فايزر Pfizer في عام 2014. بدأ الاستحواذ عندما قدمت شركة فايزر عرضًا أوليًا لشراء شركة أسترازينيكا مقابل 46.61 جنيهًا إسترلينيًا للسهم الواحد، مما جعل قيمة الشركة الإجمالي 69 مليار جنيه إسترليني. رفض مجلس إدارة شركة أسترازينيكا العرض، مشيرًا إلى أنه يقلل من قيمة الشركة وخط الأدوية الجديد الخاص بها. ثم قدمت شركة فايزر عرضًا أعلى بقيمة 55 جنيهًا إسترلينيًا للسهم، لكن مجلس إدارة رفض العرض مرة أخرى وصرح بأنه سيكون على استعداد للمشاركة في المناقشات فقط إذا قدمت شركة فايزر عرضًا بقيمة 58 جنيهًا إسترلينيًا للسهم.
أطلقت شركة فايزر بعد ذلك حملة علاقات عامة لتحسين صورتها وصورة الاستحواذ وللحصول على الدعم من مساهمي شركة أسترازينيكا، وبالمقابل أطلقت شركة أسترازينيكا حملتها الخاصة للتأكيد على قيمة خط الأدوية الجديد والتزامها بالبحث والتطوير في المملكة المتحدة. كما انخرطت حكومة المملكة المتحدة في هذه مناقشات، إذ أعرب رئيس الوزراء ومسؤولون آخرون عن مخاوفهم بشأن الخسارة المحتملة للوظائف والاستثمار في البحث والتطوير إذا استحوذت شركة فايزر على شركة أسترازينيكا.
سحبت شركة فايزر في النهاية المطاف عرضها بعد أن أصبح واضحًا أنها لن تكون قادرة على تأمين الدعم اللازم من مساهمي شركة أسترازينيكا وحكومة المملكة المتحدة. فشلت محاولة الاستحواذ العدائية وتمكنت شركة أسترازينيكا من صد العرض والاستمرار كشركة مستقلة.
الخاتمة
تعرفنا على الاستحواذ العدائي وكيف يمكن للشركات أن تسيطر على شركات أخرى مثل استراتيجية حقوق التصويت واستراتيجية تملك الموظفين للأسهم واستراتيجية جوهرة التاج والمظلة الذهبية واستراتيجية باك مان الدفاعية واستراتيجية الحبة السامة و لنختتم المقال بالاطلاع على أمثلة عن الاستحواذ العدائي.