يُعد إجراء تقييم لاحتياجات الشركة المالية ونفقاتها من الخطوات المهمة عند بدء عمل تجاري، ويُحرص على تقديرها بنسبة أعلى قليلًا من النسبة المتوقعة. تتضمن المصروفات المتداولة لشركة ناشئة الإيجار والمرافق والرواتب والأجور والمعدات والتركيبات والتراخيص والمخزون والإعلان والتأمين وغيرها، ويمثّل نقص رأس المال مشكلة شائعة للشركات الناشئة لأن تكاليف بدء التشغيل عالية ويمكن أن تشكّل عقبة كبيرة بالنسبة لهم.
كيف تنفد الأموال من الشركات الناشئة؟
يجب على الشركات الناشئة الصغيرة وضع توقعات التدفق النقدي الشهرية للسنة الأولى من التشغيل على الأقل وموازنة ذلك مع التكاليف المحتملة، ويجب أن يكون للمشروع القدرة على الحصول على رأس مال كافٍ سواءً عن طريق حقوق الملكية التي لصاحب المشروع أو الأموال المساهم بها والتي تُجمع من المستثمرين الخارجيين.
تضع الشركة المتعثرة أصحابها تحت المسؤولية القانونية عن الأمور المرتبطة بأعمال الشركة، وترتفع احتمالية حدوث ذلك عندما تختلط أصول الشركة المالية مع الأصول الشخصية للمؤسسين، ويختلط الأمر على المستثمرين أو الدائنين أو عندما يحتال أصحاب الشركة على الدائنين، وكذلك عندما لا تحتفظ بسجلات مناسبة.
لا يُستهان أبدًا في مشكلة نفاد رأس المال للشركات الناشئة بحسب تحليل أجراه موقع CB insights على أكثر من 110 شركة ناشئة عام 2018 جاء فيه 12 سببًا لفشل الشركات، وهي:
- نفاد رأس المال والفشل في الحصول على تمويل جديد (38%).
- عدم تلبية احتياجات السوق أي لا يحتاج السوق للمنتج (35%).
- الخروج من دائرة المنافسة (20%).
- وجود خلل في نموذج العمل (19%).
- مصاعب قانونية أو حكومية (18%).
- مشكلات التكاليف والتسعير (15%).
- الفشل في تكوين فريق العمل المناسب (14%).
- إطلاق المنتج في التوقيت الخاطئ (10%).
- منتج سيء (8%).
- وجود خلافات بين الفريق والمستثمرين (7%).
- إطلاق سيء للمنتج (6%).
- الإنهاك وفقدان الشغف (5%).
فشلت معظم الشركات بسبب نفاد رأس المال لديها؛ لذلك يجب الانتباه والاعتناء بكمية الأموال التي تمتلكها الشركة مهما كانت متواضعة، باعتبارها الدم في الشركة، إذ يعني انتهاء الدماء في الشركة أن قرار إغلاق الشركة أصبح قريبًا.
يجب أن يدرس المؤسسون كمية الأموال اللازمة لكي تصل الشركة إلى نقطة التعادل وتبدأ بعدها مشوار جني الأرباح.
مدرج الشركات الناشئة Startup Runway
يشير مدرج الشركات الناشئة Startup Runway إلى عدد الأشهر التي يمكن للنشاط التجاري الاستمرار في العمل فيها قبل نفاد الاموال، ويُعبّر عنها دائمًا بعدد الأشهر، فإذا حصل رائد الأعمال على مبلغ أقل مما تحتاج إليه الشركة، لن يستطيع تحقيق أي إنجازات تُذكر قبل إطلاق الجولة الاستثمارية التالية، وسينعكس ذلك سلبًا على قيمة الشركة، أما إذا حصل على مبالغ تتجاوز احتياجه بكثير فسيبيع حصة كبيرة من شركته في مرحلة مبكرة.
نحتاج قبل حساب المدرج إلى حساب معدل الحرق Burn Rate.
معدل الحرق Burn Rate
يُشكّل معدل الحرق صافي المبلغ النقدي الشهري الذي تنفقه الشركة الناشئة لتمويل عملياتها، ويمثّل الفرق بين التدفقات النقدية الإيجابية والتدفقات النقدية السالبة، ويوجد نوعين من أنواع معدلات الحرق في الشركات وهي:
- معدل الحرق الصافي Net Burn Rate: يقيس مقدار النقد الذي تخسره الشركة كل شهر عندما تفكر في الدخل والمصروفات.
- معدل الحرق الإجمالي Gross Burn Rate: يُقدّر مقدار النقد الذي تنفقه الشركة كل شهر، ولكنه لا يأخذ الدخل أو التدفق النقدي الإيجابي بالحسبان.
على سبيل المثال، إذا قيل إن شركة تملك إيرادات تُقدّر ب 100,000 دولار أمريكي شهريًا وتُقدّر تكاليفها بـ 200000 دولار أمريكي شهريًا، فإن معدل حرقها الصافي يُحسب كالتالي:
100,000 – 200,000 = 100,000 دولار شهريًا
أي تنفق الشركة 100,000 ألف دولار شهريًا.
يُحسب المدرج بتقسيم الأموال الموجودة في رصيد الشركة على معدل الحرق الشهري للحصول على عدد الأشهر المتبقية قبل نفاد الأموال، لنفرض على سبيل المثال أن رائد أعمال نجح في إغلاق جولة استثمارية حصل فيها على 2 مليون دولار علمًا أن معدل الحرق للشركة هو 100,000 دولار أمريكي.
حساب المدرج = الرصيد النقدي الحالي ÷ معدل الحرق
نُقسّم 2,000,000 ÷ 100,000 = 20 شهر قبل نفاد النقد
يُعد السبب الأكبر في فشل الكثير من الشركات في مختلف القطاعات هو عدم توفير الموارد المالية الكافية وسوء إدارتها، ويمكن أن تتمتع الشركة بهوامش ربحية عالية ولكن تفتقر إلى النقد الذي يموّل عملياتها فتختلف الربحية عن السيولة، لذا يجب أن يتأكد رائد الأعمال من امتلاكه مدرج كافي قبل الإقلاع.
توجد أربعة طرائق لزيادة طول المدرج Runway أو بقاء الأموال:
- زيادة الإيرادات مع الحرص على مؤشرات صحية للتحصيل من العملاء.
- تخفيض النفقات.
- الحصول على تمويل أي الاقتراض.
- إغلاق جولة استثمارية.
نستهدف في معظم الاستثمارات توفير سيولة مالية كافية لمدة تتراوح بين 18 إلى 24 شهرًا للشركات التي نستثمر بها، وهذا يوفر مدة تتراوح بين 12 إلى 15 شهرًا للشركة لتحقيق المراحل المطلوبة Milestones لإطلاق المنتج الأولي، وزيادة عدد المستخدمين، ومعدل العائد الداخلي، حتى يتمكن رائد الأعمال من التركيز على شركته وتحقيق إنجازات دون القلق باستمرار بخصوص النقد قبل البدء في جولة استثمارية جديدة والتي تستغرق عادةً بين 3 إلى 6 أشهر.
أما في حال كانت أموال الاستثمار تتجاوز أكثر من 18 شهرًا بمدة طويلة، فيمكن أن يكون رائد الأعمال باع حصة كبيرة من شركته أو تكون الأهداف المطلوبة في 18 شهرًا ليست قوية كفاية، وعلى العكس عند إغلاق جولة استثمارية بسيولة لا تكفي لمدة 18 شهر سوف تتعرض الشركة لضغوط مالية تؤثر على عملياتها واستقرارها مما يضطرها لإطلاق جولة استثمارية أخرى دون تحقيق أهداف تزيد من قيمة الشركة.
كيف تنفد الأموال من الشركة؟
تحدث حالة عدم كفاية رأس المال أو قلة رأس المال Under Capitalization عندما لا تمتلك الشركة رأس مال كافٍ لإجراء عملياتها التجارية المعتادة وسداد دائنيها، ويحدث هذا عندما لا تحقق الشركة تدفقًا نقديًا كافيًا أو لا يمكنها الوصول إلى أنواع التمويل مثل الدين أو بيع الأسهم.
تنحاز الشركات التي تتعرض لهذه الظروف للجوء لمصادر تمويل عالية المخاطرة واستغلالية رأس المال عالية التكلفة، مثل الائتمان قصير الأجل، وذلك أكثر من الأنواع منخفضة التكلفة مثل حقوق الملكية أو الديون طويلة الأجل، ويرغب المساهمون في الاحتياط والتعامل بحذر إذا كانت الشركة تعاني من نقص في رأس المال لأن فرصة الإفلاس ترتفع عندما تفقد الشركة استطاعتها على سداد ديونها.
تحدث مشكلة عدم كفاية رأس المال في معظم الشركات الناشئة التي لا تتوقع التكاليف الأولية المتعلقة بإنشاء شركة وتشغيلها تشغيلًا فعليًا، ويؤدي نقص رأس المال إلى عائق ضخم في النمو لأن الشركة لا تمتلك الموارد اللازمة للتوسّع، مما يؤدي إلى فشلها في نهاية المطاف، كما يحدث نقص رأس المال أيضًا في الشركات الضخمة التي يترتب عليها مبالغ كبيرة من الديون وتعاني من ظروف التشغيل الرديئة.
إذا اكتُشف نقص رأس المال في وقت مبكر بما فيه الكفاية، وكان لدى الشركة تدفقات نقدية كافية، عندها تستطيع الشركة إعادة توازن الميزانية عن طريق بيع الأسهم، أو إصدار سندات دين أو صكوك إسلامية، أو دخول ترتيب ائتماني متجدد طويل الأجل مع المقرض، وإذا كانت الشركة بالرغم من ذلك ليس لها القدرة على تحقيق صافي تدفق نقدي إيجابي أو الوصول إلى أي شكل من أشكال التمويل، فستُعلن إفلاسها غالبًا.
يجب دائمًا الحفاظ على معدل حرق منخفض قدر الإمكان بما لا يتعارض مع استمرارية معدل النمو المستهدف لتحقيق الأهداف المطلوبة، أما إذا تمتعت الشركة بمعدل حرق سلبي أي أن الشركة استطاعت أن تحقق أرباحًا عوضًا عن تحقيق خسائر شهرية، وهذا وضع مثالي يمكن للشركة من خلاله أن تُنشئ مراكز مالية قوية أي سيولة تمنح الشركة ملاءة مالية Solvency تمكّنها من استغلال الفرص وتخطّي الأزمات.
يُعد الاحتفاظ باستمرار بنموذج مالي على شكل إكسل Excel ويُحدّث دوريًا ويعطي صورة واضحة عن النقد في البنك والمدرج ومعدل الحرق بمجرد تحديث الافتراضات اعتمادًا على المستجدات من أفضل الممارسات للمؤسسين المميزين.
أسباب نفاد الأموال من الشركة
يكون لعدم كفاية رأس المال عدد من الأسباب، مثل:
- ظروف الاقتصاد الكلي الرديئة التي تنتج عنها صعوبة في جمع الأموال في الأوقات الحرجة.
- الفشل في الحصول على ائتمان.
- تمويل النمو باستعمال رأس مال قصير الأجل عوضًا عن رأس مال دائم.
- ضعف إدارة المخاطر، مثل عدم التأمين أو التأمين المنخفض القيمة ضد مخاطر الأعمال المتوقعة.
نصائح قبل الحصول على أي استثمار
يجب الانتباه إلى بعض النقاط التالية قبل الحصول على أي استثمار:
- تحديد أهداف واضحة للشركة
يجب تحديد مجموعة أهداف واضحة بمعايير قياس محددة قبل الحصول على تمويل، والإجابة أيضًا عن سؤال ما الذي سنفعله بهذا المال، سواءً مال ذاتي أو تمويل من مؤسسة أو جهة معينة، لا يجب القول بأن الهدف هو نمو الشركة، بل تحديد أهدافًا واضحة، مثلًا، يجب وصول إيرادات الشركة إلى رقم محدد شهريًا، بالإضافة إلى التعاون مع عدد محدد من المتاجر شهريًا، وتغطية منطقة جغرافية معينة بخدمات ومنتجات بقيمة معينة شهريًا، أي يجب أن نكون محددين للأهداف ونتعامل معها بوضوح ودقة وليست مجرد أهداف عامة في الهواء.
- وضع خطة إنفاق مفصّلة
يجب وضع خطة للإنفاق مفصّلة لمدة 24 – 36 شهرًا، تكون خطة الإنفاق موازية لسنتين أو ثلاثة، ومن المهم التركيز على شمولية الخطة للنفقات التشغيلية والإدارية والنثرية وغيرها من المصاريف أثناء هذه الفترة، وتحدد الخطة مستوى نفقات تصاعدي بالتزامن مع تحقيق الايرادات، إذ تبدأ بمستوى نفقات معين، ثم تبدأ في زيادته اعتمادًا على مستوى الإيرادات الذي حققته، بما يساعد المشروع على تحقيق المزيد من التوسّع دون تحقيق خسائر أو أزمات مفاجئة.
- استبعاد الأمور الكمالية
يجب التركيز على ضخ المال في النشاطات الأساسية للشركة مثل التوظيف والتسويق والعمليات وتطوير المنتج، بينما ترك العمليات الفرعية أو الكمالية التي يمكن تأجيلها لوقت آخر، مثل شراء مكاتب فاخرة، أو شراء الديكورات والتزيين الباهظ الثمن، إذ يجب في المرحلة الأولى للشركة صرف كلّ دولار في أمور تصبّ في العمليات الرئيسية التي تضمن تحقيق أرباح للشركة فقط.
- تقسيم المال لجزئين
يجب أخذ نصف التمويل ووضعه في حساب مصرفي آخر أو إخفائه عن الأنظار، والتعامل على أنه غير موجود في السنة الأولى، سيؤدي هذا الإجراء إلى إنفاق المال بحكمة على الأمور الضرورية، والتركيز على إنفاق نصف التمويل المتاح بحرص شديد، والبدء في استعمال النصف الآخر كدعم مالي استراتيجي في أوقات الحاجة بالفعل.
على سبيل المثال، إذا كان إجمالي التمويل المتاح 200 ألف دولار، يجب وضع نصف المبلغ في العام الأول بعيدًا، والتعامل على أن إجمالي التمويل المتاح لهذا العام هو 100 ألف دولار فقط، أي أن جميع الخطط والموازنات والنشاطات قائمة على تمويل 100 ألف دولار فقط. ستدعم هذه الإستراتيجية الإنفاق بحرص شديد، وسيكون هناك في نفس الوقت دعم مالي إستراتيجي في أوقات الأزمات أو في أوقات الطوارئ.
نصائح بعد الحصول على استثمار
يجب الانتباه إلى عدة نقاط أساسية عند الحصول على مبلغ استثماري معين، وهي:
- عدم إنفاق الأموال بسرعة
تمثّل كلّ أنواع العملات سواءً دولار أو ريال أو جنيه أو درهم فرقًا في بداية تأسيس شركة ناشئة أو مشروع صغير، ويجب المحاولة دائمًا تخفيض النفقات على مدار اليوم سواءً في التوريد أو التوظيف أو الاستعانة بأي خدمات أخرى، إنّ بداية أي مشروع هي بمثابة محرقة للأموال، وليس بالضرورة أن يُكافئ هذه الأموال مستوى جيد من الإيرادات، كما يجب التحكّم بالنفقات بأقصى طريقة ممكنة في بداية المشروع الناشئ.
- الحصول على تمويل جديد صعب جدًا
إن الحصول على تمويل لشركة ناشئة ليست بالمهمة السهلة؛ إذ يجب أن يقدّم رائد الأعمال نموذج أعمال مقنع وفعّال، وأن يُناقش المستثمرين بالأرقام والأدوات العلمية المقنعة المرتبطة بالمشروع، وقد تأخذ هذه العملية شهورًا طويلة ثم تنتهي بالرفض، غالبًا ما تكون الجولة الثانية من التمويل أصعب، لذلك يجب الحذر عند إنفاق الأموال التي تمتلكها الشركة لأنها يمكن أن تكون الأموال الأخيرة التي قد تحصل عليها الشركة، يمكن سؤال الشركات التي حصلت على تمويل أولي ومعرفة صعوبة الحصول على جولة تمويلية جديدة.
- عدم جعل هدف الشركة الحصول على جولة تمويل
يجب أن يكون هدف الشركة الأساسي هو تحقيق الأرباح بأسرع وقت ممكن لبقائها على قيد الحياة، لن يأتي الممول طالما أن الشركة لم تحقق أرباحًا سواءً حقيقية أو محتملة، توجد مقولة تقول:
لذلك لا يجب التوقّع من الممولين أن يؤمنوا بنفس النظرية التي تؤمن بها وأن يضعوا أموالهم في الشركة اعتمادًا على شعورهم فقط، بل يجب أن يطمئنوا بأنهم قادرين على استردادها مع الأرباح، يُعد التمويل وسيلة وليست غاية يجب الوصول إليها، فإذا أُديرت هذه الوسيلة إدارةً صحيحةً حتمًا ستُحقق الغاية المنشودة.
الخاتمة
تعرفنا على عدم كفاية رأس المال أي عندما لا تملك الشركة رأس المال كافٍ للبدء بإجراء أي عملية معتادة، وتعرفنا على مفهوم مدرج الشركات الناشئة ومعدل حرق النقد وكيف يمكن أن تنفد الأموال، واطّلعنا أيضًا على أهم النصائح قبل الحصول على التمويل وبعد التمويل لكي نضمن عدم وقوع الشركة في مشكلة نفاد الأموال.