تُعرف النزعة الاستهلاكية Consumerism بأنها الظاهرة الاجتماعية والاقتصادية التي تؤكد على اقتناء السلع والخدمات واستهلاكها، جزءًا لا يتجزأ من المجتمعات الحديثة في جميع أنحاء العالم، ونشأت النزعة الاستهلاكية في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتطورت إلى قوة متعددة الأوجه ومنتشرة تشكل اقتصادنا وثقافتنا وأنماط حياتنا الفردية.
ما هي النزعة الاستهلاكية Consumerism؟
تُعرف النزعة الاستهلاكية Consumerism بأنها فكرة تنص على أن زيادة استهلاك الخدمات والسلع المشتراة في السوق هو هدف مرغوب فيه دائمًا، وأن رفاهية الشخص وسعادته تعتمدان اعتمادًا أساسيًا على الحصول على الممتلكات المادية والسلع الاستهلاكية، فإذا نظرنا للأمر من الجهة الاقتصادية سنجد أنه يرتبط بالفكرة الكينزية الرائجة التي ترى أن الإنفاق الاستهلاكي هو المحرك الأساسي للاقتصاد، وأن تشجيع المستهلكين على الإنفاق هو هدف أساسي من أهداف السياسة، وبالتالي يرى هذا المنظور أن النزعة الاستهلاكية ظاهرة إيجابية تغذي النمو الاقتصادي.
يُشير التعريف المتداول للنزعة الاستهلاكية إلى ميل الأشخاص الذين يعيشون في الاقتصاد الرأسمالي إلى الانخراط في نمط حياة مادية تدور حول الاستهلاك المفرط والمهدر والمسرف للموارِد، فمن هذا المنطلق، يرى العديد أن الاستهلاكية تساعد على تدمير القيم وأساليب الحياة التقليدية، واستثمار الشركات الكبرى للمستهلكين، والآثار النفسية السلبية، والتدهور البيئي.
في حال استمر المستهلكين في الإنفاق فسوف يدفع الاقتصاديون إلى افتراض أن المستهلكين يستفيدون من المنافع التي تقدمها السلع الاستهلاكية التي يشترونها، ولكن الشركات تستفيد أيضًا من زيادة الإيرادات والمبيعات والأرباح، فعلى سبيل المثال، في حال ازدادت مبيعات السيارات، فسوف تزداد أرباح مصنعو السيارات.
بالإضافة إلى ذلك، تشهد الشركات التي تُصنع إطارات السيارات والصلب أيضًا زيادة في المبيعات، بمعنى آخر، إنفاق المستهلك مفيد للاقتصاد ككل وقطاع الأعمال على وجه الخصوص، ولهذا السبب، أصبحت الشركات وبعض الاقتصاديين تنظر إلى ازدياد الاستهلاك كهدف مهم وضروري يساهم في بناء اقتصاد قوي والمحافظة عليه، بغض النظر عن الفائدة التي تعود على المستهلك أو المجتمع الإجمالي.
الجذور التاريخية للنزعة الاستهلاكية
يمكن إرجاع جذور النزعة الاستهلاكية إلى الثورة الصناعية، وهي الفترة التي تميزت بالتحول من الاقتصادات الزراعية إلى الاقتصادات الصناعية، فمع ظهور الإنتاج الضخم، أصبحت السلع أكثر سهولة في الوصول إليها وبأسعار معقولة، مما وضع الأساس لاقتصاد قائم على المستهلك، وشهد القرن العشرين ارتفاعًا كبيرًا في النزعة الاستهلاكية التي تغذيها الإعلانات، وتوافر الائتمان، وازدهار الطبقة الوسطى.
تأثير النزعة الاستهلاكية على الاقتصاد
تلعب النزعة الاستهلاكية دورًا محوريًا في دفع النمو الاقتصادي، وازدهار الشركات في الاقتصاد الذي يركز على المستهلك من خلال خلق الطلب على المنتجات والخدمات، وتحفيز الابتكار والمنافسة، وتصبح دورة الإنتاج والاستهلاك والاستثمار هي المحرك للازدهار الاقتصادي، وبالرغم من ذلك، لا يخلو هذا النموذج من التحديات، لأنه يؤدي غالبًا إلى قضايا مثل الاستهلاك المفرط، وتراكم الديون، وعدم المساواة الاقتصادية.
يرى الاقتصاد الكلي الكينزي أن تعزيز الإنفاق الاستهلاكي عن طريق السياسة النقدية والمالية تُشكل هدفًا رئيسيًا لواضعي السياسات الاقتصادية، ويشكّل الإنفاق الاستهلاكي نصيب الأسد من الناتج المحلي الإجمالي وإجمالي الطلب، لذلك يُنظر إلى زيادة نسبة الإنفاق الاستهلاكي على أنه أكثر الطرق فعّالية لدفع الاقتصاد نحو النمو.
تنظر النزعة الاستهلاكية إلى المستهلك باعتباره هدفًا للسياسة الاقتصادية، وأنه كالدجاجة التي تبيض ذهبًا بالنسبة لقطاع الأعمال، مع القناعة التامة بأن زيادة الاستهلاك يمكن أن تُفيد الاقتصاد، ويمكن أن يُعد الإدخار ضارًا بالاقتصاد لأنه يأتي على حساب الإنفاق الاستهلاكي الفوري.
التأثيرات المجتمعية
يُعد التأثير المجتمعي للنزعة الاستهلاكية عميقًا، إذ لا يؤثر على السلوك الفردي فحسب، بل يؤثر أيضًا على تشكيل الأعراف والقيم الثقافية، وأصبح السعي وراء الممتلكات المادية كرمز للنجاح والسعادة متأصلًا بعمق في العديد من المجتمعات، وتُغذى ثقافة المستهلك من خلال الإعلانات ووسائل التواصل الاجتماعي وتأثير الأقران، إذ ترتبط هوية الفرد غالبًا بالمنتجات التي يمتلكها.
يسلط صعود الاستهلاك الواضح الضوء على الجانب الاجتماعي للنزعة الاستهلاكية؛ وهو المصطلح الذي صاغه الاقتصادي ثورستين فيبلين Thorstein Veblen، وينخرط الناس في الاستهلاك الواضح لعرض ثروتهم ومكانتهم الاجتماعية، وتعزيز ثقافة الموازنة والمنافسة، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى شعور بعدم الكفاءة وعدم الرضا لدى أولئك غير القادرين على مواكبة التوقعات المجتمعية. كما تُلام النزعة الاستهلاكية بسبب زيادة حالات القلق؛ لأن الناس يعانون من التوتر والضغط بسبب تزايد المنافسة على المكانة الاجتماعية، والدافع المستمر لمواكبة الآخرين عن طريق زيادة استهلاكهم.
العواقب البيئية
بينما تعمل النزعة الاستهلاكية على دفع النمو الاقتصادي، إلا أنها تأتي بتكلفة بيئية كبيرة، ويساهم إنتاج السلع ونقلها والتخلص منها في استنزاف الموارد والتلوث وتغير المناخ، يُعد مفهوم التقادم المخطط له، إذ تُصمم المنتجات لتكون ذات عمر محدود. كما يزداد تفاقم المشكلات البيئية من خلال تشجيع ثقافة التخلص من المنتجات، وتشمل الجهود المبذولة لمواجهة هذه التحديات تعزيز الاستهلاك المستدام والاقتصادات الدائرية وتطوير التكنولوجيات الصديقة للبيئة.
الانتقادات والبدائل
واجهت النزعة الاستهلاكية نصيبها العادل من الانتقادات، إذ أشار المنتقدون إلى آثارها السلبية على الصحة العقلية والتماسك الاجتماعي والبيئة، ويرى البعض أن السعي الدؤوب لتحقيق الثروة المادية أدى إلى تدهور الرفاهية العامة، وتعزيز ثقافة الإشباع الفوري ومذهب المتعة. بالإضافة إلى ذلك، اكتسبت الحركات التي تدعو إلى الحد الأدنى، والنزعة الاستهلاكية الواعية، والنماذج الاقتصادية البديلة، وقدرًا كبيرًا من الاهتمام، مؤكدة على أهمية الجودة أكثر من الكمية والحاجة إلى نهج أكثر استدامة وإنصافًا في التعامل مع الاستهلاك.
الخاتمة
شكلت النزعة الاستهلاكية العالم الحديث بطرق عميقة ومعقدة باعتبارها ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه، بدءًا من جذورها التاريخية في الثورة الصناعية وصولًا إلى مظاهرها المعاصرة، وتؤثر النزعة الاستهلاكية على الاقتصادات والمجتمعات والأفراد على مستويات متعددة، فبينما تواجه التحديات التي يفرضها الاستهلاك المفرط والتدهور البيئي، سوف يُصبح إعادة تقييم قيمنا وأولوياتنا أمرًا بالغ الأهمية، يمكن أن يمهد تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة، وتعزيز ثقافة الاستهلاك الواعي الطريق لمستقبل أكثر انسجاما وإنصافا.