تجذب الأسواق المالية كافة أنواع المشاركين الذين يسعون لتحقيق الأرباح، سواء المبتدئين أو الأشخاص المشغولين الذين يعملون بدوام جزئي لكسب أموال إضافية، أو حتى الشركات الدولية. يتسع سوق الأسهم لجميع الأطياف، ويتنافس المتداولون المبتدؤون مع الشركات الكبيرة التي تتداول مليارات الدولارات عبر خوارزميات حاسوبية فائقة السرعة وتعتمد على الذكاء الصنعي.
في هذه الأجواء المتشابكة بالإضافة لعدم رغبة المتداولين المبتدئين بالتعمق في فهم سوق البورصة الأمر الذي يجعل التداول طريق مختصر للفشل، أو أنهم سيضطرون لتوظيف شخص آخر ليتحكم ويدير أموالهم، أو ببساطة يستسلمون ويبحثون عن مصدر آخر لتحقيق الثروة، ولكن هل يمكن أن يحظى هؤلاء الأشخاص بفرصة للنجاح في سوق البورصة؟ خصيصًا مع دخولهم للسوق بعقلية المقامرة التي تعد طريقًا مباشرًا نحو الفشل.
فهم عقلية المقامرة
ينظر العديد من المتداولين الجدد إلى مشاركاتهم في الأسواق المالية على أنها مراهنة بحتة، آملين بأن تُستبدل كمية النقود التي في جيوبهم بكمية أكبر عند انتهاء المراهنة، إذ إن الكثير من هؤلاء الأشخاص لم يتعلموا استراتيجيات التداول الرئيسية وتقنياته، وذلك نتيجة عدم إدراكهم لطبيعة المخاطر المحيطة بالعمل إضافةً إلى سيطرة الجشع عليهم ورغبتهم بتحقيق الثراء الفوري.
لعب وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في برمجة عقول المتداولين الجدد على اعتبار أن الأوراق المالية أوراق رهان في حدث رياضي يمثل السوق المفتوحة، وأي شخص سيتمكن بالفوز بالرهان إذا استطاع تشجيع الجانب الصحيح من اللعبة، تبدو اللعبة من وجهة نظرهم ملونة بالأبيض والأسود، لأنهم لا يفهمون كيف تختار الأسواق أولئك المتاجرين الذين يلقون بأموالهم نحو السندات المالية بذات الزخم الذي تختار فيه الأسواق المتاجرين المحترفين على أمل الفوز بالقيمة الكبرى، ومثل مبدأ ماكينات القمار، تزيد إنفاقات المتداولين الصغيرة المنتظمة الدافع للرهان بمبالغ أكبر، سواء كانت مناسبة لظروف السوق والفرص المتاحة في ذلك الوقت أم لا.
بالرغم من ذلك، يمكن أن يحصد هذا السلوك ثماره بربح كبير في بعض الأحيان، لكن غالبًا ما يضيع هذا الربح نتيجة الاستمرار في المقامرة وعدم وضع استراتيجية خروج Exit Strategy من الاستثمار، تضيع أرباح هؤلاء المتداولين بسبب عدم وجود ما يوقفهم عند حد معين تمامًا مثل المقامرين الذين يلعبون من أجل المتعة لكنهم لا يدركون احتمالات كل لعبة و فرصها والوقت المناسب لها، مما يؤدي للفشل في الحد أو التقليل من خسارتهم، والذي يؤدي في النهاية لخروجهم من سوق التداول.
تستهلك عقلية المقامرة الغالبية العظمى لرأس المال عند وجود أحداث وفعاليات ضرورية في السوق، مثل تقارير الأرباح أو الطروحات الاقتصادية التي تزيد أسعار الأوراق المالية أو تخفضها بصورة حادة، في حين يبتعد المتداولون الأذكياء ويأخذون حذرهم لأنهم لا يعلمون النتائج، ويراهنون على اتخاذ قرارات عشوائية. أما المتداول المقامر فهو مدفوع بهرمونات الأدرينالين و الإندورفين خلال المنافسة بغض النظر عن الفوز أو الخسارة، فيدخل المبتدئ في السوق بكل ما يملك، ويعقد صفقات كبيرة لمجرد ظنه بأنها الجانب الرابح من المعادلة، دون الاكتراث للضريبة الباهظة عند حدوث خطأ الأمر الذي يؤدي لنتائج مدمرة.
تأثير عقلية المقامرة على اختيار الأسهم
تؤثر عقلية المقامرة تأثيرًا كبيرًا على المبتدئين، لأنها نتيجة طبيعية لسوء فهم الأسواق المالية وكيفية عملها، لكنهم سيتعلمون تدريجيًا من أخطائهم عاجلًا أم آجلًا، متخذين من تلك الخسارات دافعًا لهم لأخذ الموضوع بجدية أكبر في المستقبل، وبالمقابل، تعطي تلك الخسارات حافزًا لتعلم أساسيات العمل وحجم الصفقات والتوقعات الإيجابية وإدارة المخاطر.
يفشل المبتدئون بسرعة في حال لم يتخلوا عن عقلية المقامر، ويتبع المتداولون الخبراء بعضًا من أساليب تلك العقلية سنوات كثيرة دون أن تسيطر على استراتيجيتهم المعروفة عبر الزمن، لكن تظهر آثارها المدمرة عندما يتغلب الجشع على الانضباط.
لا تُعد هذه العقلية قاتلة في حال استعمالها بطريقة محدودة، بل تضفي بعض المرح يوم التداول طالما أن حجم الصفقة صغير. التسمية المناسبة لها في تلك الحالة هي تذاكر اليانصيب، وتعمل بصورة أفضل عندما يواجه المتداولون سيناريوهات متكررة عاشوها مسبقًا مرات كثيرة كافية للاعتقاد بأنهم يملكون فرصًا للنجاح تفوق نسبة 50%.
على سبيل المثال، يضع مؤشر راسل Russell 2000 (يضم المؤشر أسهم الشركات ذات القيمة السوقية الصغيرة) اهتمامه على الشركات الصغيرة نسبيًا ويسعى مدراء الصناديق لشراء الأوراق النقدية الحديثة، ليتمكنوا من الحصول على أرباح غير متوقعة في حال خمنوا الشركة الرابحة مسبقًا، ومع أنها حدث استثنائي لكن سنوات من المراقبة لهذه العملية منحت ميزة صغيرة لصالح المتداولين تجعلهم يتداولون بسلة من الأسهم معتقدين أنها في لحظة ما ستنجح هذه الخطة.
كيفية التغلب على عقلية المقامر في التداول والاستثمار
لنبدأ حياتنا المهنية في التداول بقراءة مواد تعليمية أساسية حول الاستثمار والتداول وتاريخ الأسواق المالية، ثم استكشاف المواد المرتبطة بمجال اهتمامنا ومن ضمنها كتاب التحليل الأمني Security Analysis لمستثمر بنيامين غراهام Benjamin Graham وديفيد دود David Dodd إذا كان تركيزنا منصبًا على التحليل الأساسي، وكتاب التحليل التقني لتوجه الأسهم لروبرت إدواردس Robert Edwards وجون ماجي John Magee إذا كنا نركز على التحليل التقني.
اقرأ السير الذاتية للمتداولين أو المستثمرين المشهورين وكيف حققوا ثرواتهم، مثل ذكريات متداول الأسهم وسيرة الذاتية لإدوين لوفيفر Edwin Lefevre في عام 1923 للمتداول الأسطوري جيسي ليفرمور Jesse Lauriston Livermore، واستكمل تلك المعرفة الكلاسيكية بمواكبة التقدم السريع الحاصل في عصرنا الحديث، من خلال دراسة أفضل كتب التداول والأسواق التي نشرت في العقود القليلة الماضية.
يتفادى الكثير من المتداولين الجدد النهج التعليمي لقناعتهم التامة بوهم الوصول السريع إلى الثراء وبحثهم في الأسواق المرتبات العالية دون بذل أي عناء. يصب هذا النهج في صالح المتداولين الأكثر جدية، باعتبار أن الأعداد الضخمة للأطراف الضعيفة في السوق تزيد فرص الإيرادات عند حدوث تقلبات في السوق.
هل العمل في سوق الأسهم مشابه للمراهنة؟
يمكن أن يكون كذلك إذا اشترينا الأسهم عشوائيًا أو لمجرد نزوة أو اعتمادًا على الشائعات، وبالرغم من ذلك فإن شراء محفظة متنوعة مدروسة جيدًا أو دخول في استثمار سلبي في سوق الأوراق المالية الكبير يعود علينا بخبرة إيجابية وسيزيد من ثروتنا مع مرور الوقت، من ناحية أخرى، يؤكد الخبراء أن خسارة الأموال حتمية بمجرد الدخول في المراهنات.
ما الفرق بين المضاربة والمقامرة؟
تُعد المضاربة أمرًا عالي الخطورة لكنها غالبًا ما تحقق عائدًا إيجابيًا متوقعًا، مع احتمالية عدم تحقيق أي عوائد أيضًا، من جهة أخرى، تتضمن المقامرة دائمًا عائدًا سلبيًا متوقعًا، فالمحصلة النهائية خاسرة في غالبية الأحوال. إضافةً إلى ذلك فإن الأفق الزمني ضيق للمقامرة، إذ تضع الرهان ثم تدور العجلة، بينما تتميز الاستثمارات وحتى المضاربات منها بأفق زمني واسع، لكن ليس دائمًا أيضًا.
هل يمكن أن يصبح التداول العشوائي إدمانًا مثل المقامرة؟
يبدو التداول مثيرًا وعاطفيًا ومحفزًا وجذابًا، مما يحث عقلية الرابح لدى المتداول، وعندما يجني المتداول الأرباح أو حتى يتحفز لتحقيق ربح ممكن، يفرز دماغه مواد كيميائية عصبية تشعره بالرضا مثل الدوبامين والسيروتونين، يمكن أن نصبح مدمنين على هذا النحو، تمامًا مثلما هو الحال عند المقامرة، وهذا الإدمان قوي، يمكن أن يكلفك كل أموالك.
الخاتمة
تعرفنا على عقلية المقامرة في سوق البورصة وفهمنا كيفية التغلب عليها والفرق بين التداول والمراهنة أو المقامرة وهل يمكن أن يصبح التداول العشوائي إدمانا.
ختامًا يمكن أن يكون تداول الأسهم طريقة مجزية للربح في الأسواق المالية، ولكن من المهم تثقيف الذات وإدارة المخاطر بعناية قبل اختيار أي سهم من خلال فهم أساسيات تداول الأسهم ووضع استراتيجية واضحة، وعندها فقط يمكن للأفراد زيادة فرصهم في النجاح في سوق الأسهم.