ألقت الولايات المتحدة في 6 أغسطس 1945 قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين. حوّلت هاتان القنبلتان المدينتين إلى أطلال مشتعلة، مما أسفر عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص على الفور. أيقظ هذا الحدث المروع العالم على فجر عصر نووي جديد مليء بالرعب والدمار.
غرق العالم في صدمة مروعة إثر القصف الذري على هيروشيما وناجازاكي؛ لأنه لم يشهد البشرية دمارًا على هذا النطاق، وحتى الولايات المتحدة نفسها لم تكن تتوقع حجم الكارثة التي ستخلفها قنابلها، وبدأت الدول تتسابق لامتلاك تقنية الأسلحة النووية، لأهمية اليورانيوم فهو عنصر أساسي في صناعة القنابل الذرية.
بقية اليورانيوم منذ معروفًا بخصائصه الكيميائية الفريدة، اكتشافه عام 1789، واستُخدم في تطبيقات محدودة مثل تلوين الزجاج، ولكن في أربعينيات القرن الماضي، اتخذ اليورانيوم بُعدًا استراتيجيًا هائلًا عندما أُستخدمت في صناعة القنبلة الذرية. منذ ذلك الحين، احتلّ اليورانيوم صدارة بورصة المعادن الاستراتيجية، ليصبح ساحةً للتنافس الدولي المحموم، وكنزٍ حيويٍ لا غنى عنه.
ما هو اليورانيوم؟
يُعرف اليورانيوم بأنه معدن ثقيل ذو لون فضي لامع، رمزه U، يقع في الجدول الدوري في العدد الذري 92، مما يعني أن نواة ذرته تحتوي على 92 بروتونًا، وتحتوي أيضًا على 92 إلكترونًا. يُصنف اليورانيوم كعنصر مشعّ طبيعيًا؛ ممّا يعني أنّ جميع نظائره غير مستقرة وتتجه تلقائيًا إلى التفكك بمرور الوقت، مُطلقةً طاقةً في هذه العملية.
يُصنف اليورانيوم كثاني أثقل عنصر في الطبيعة بعد البلوتونيوم، إذ تبلغ كثافته 19.1 جرامًا لكل سنتيمتر مكعب عند درجة حرارة الغرفة. (أيّ مترًا مكعبًا واحدًا من اليورانيوم يزن 19.1 طنًا، أي ما يعادل 70% أكثر من كثافة الرصاص و 1.7 مرة أقل من كثافة الذهب).
يتواجد اليورانيوم طبيعيًا في الصخور والمعادن والتربة والمياه، ولكنّ تركيزه منخفض جدًا، أي لا يتجاوز بضعة أجزاء من المليون. يُستخرج اليورانيوم من خاماته، مثل اليورانينيت، إما على شكل نقي أو ممزوجًا بمعادن أخرى.
يوجد لليورانيوم العديد من النظائر، لكنّ الأكثر انتشارًا هم:
- يورانيوم-238: يُشكل حوالي 99.3% من اليورانيوم الطبيعي، ويحتوي على 146 نيوترونًا في نواة ذرته.
- يورانيوم-235: يُشكل حوالي 0.7% فقط من اليورانيوم الطبيعي، ويحتوي على 143 نيوترونًا في نواة ذرته.
يُعدّ يورانيوم-235 عنصرًا مشعًا مهمًا نظرًا لقدرته على الانشطار النووي، ممّا يجعله وقودًا أساسيًا في محطات الطاقة النووية.
اكتشف الكيميائي الألماني مارتن كلابروث في عام 1789، وهو يُجري تحليلًا لمعادن من منجم فضة في بلدة يواخيمستال (جمهورية التشيك حاليًا)، لاحظ وجود مادة جديدة ذات لون أصفر باهت. بعد تسخين هذه المادة بالفحم، تحولت إلى مسحوق أسود اللون. أدرك كلابروث أنّ هذه المادة جديدة تمامًا، وأطلق عليها اسم “يورانيوم” نسبةً إلى كوكب أورانوس، الذي اكتُشف حديثًا آنذاك.
اقتصر استخدام اليورانيوم على تلوين الزجاج والسيراميك خلال القرن التاسع عشر، إذ أضفى لونه الأصفر المخضر الفريد لمسةً مميزة على المزهريات والأواني المزخرفة، ممّا جعله عنصرًا مرغوبًا لتزيين المنازل والمباني. كما أُستخدم اليورانيوم لإضافة لمسات برتقالية وحمراء براقة إلى الخزف، ممّا زاد من جاذبيته واستخدامه في الديكورات الداخلية والخارجية.
شهد اليورانيوم في مطلع القرن العشرين ثورة علمية مزامنةً مع اكتشاف خصائصه الإشعاعية الفريدة. ففي عام 1896، لاحظ العالم الفرنسي هنري بيكريل Henri Becquerel ظاهرة غريبة، عندما أجرى تجربة على عينة من كبريتات يورانيل البوتاسيوم، وجد أنّها تُصدر نوعًا من الأشعة غير المرئية قادرة على اختراق الورق وتُشوه اللوحات الفوتوغرافية. كان هذا الاكتشاف بمثابة فجر جديد في فهمنا للعالم، وفتح الباب على مصراعيه أمام دراسة معمقة لليورانيوم واستكشاف إمكانياته في مجالات غير مألوفة آنذاك.
فهم الانشطار النووي واستكشاف تطبيقاته المتعددة
قاد الفيزيائي الإيطالي الأمريكي الحائز على جائزة نوبل عام 1938 إنريكو فيرمي في عام 1934، فريقًا بحثيًا أجرى تجارب حاسمة على اليورانيوم، وخلال هذه التجارب، لاحظ فيرمي وفريقه ظاهرة جديدة عندما قذفوا اليورانيوم بالنيوترونات، تحلل العنصر إلى ذرات أصغر وأطلق كمية هائلة من الطاقة. أدرك فيرمي وفريقه على الفور اكتشافهم آلية جديدة كليًا لتوليد الطاقة، وهي آلية عرفت لاحقًا باسم (الانشطار النووي Nuclear fission).
لم يكن العلماء متأكدين في البداية من سبب انشطار اليورانيوم، لكنّهم افترضوا أنّ هناك عناصر جديدة غير معروفة تلعب دورًا في هذه العملية، وأكد عميد كلية روما، أورسو ماريو كاربينو Orso Mario Corbino، على هذا الرأي، مشيرًا إلى أنّ التجارب اللاحقة في برلين كشفت عن قدرة اليورانيوم على الانشطار إلى عناصر أخف وزنًا تطلق كميات هائلة من الطاقة.
قدمت عالمة الفيزياء السويدية ليز مايتنر وابن اختها الفيزيائي أوتو روبرت فريش في فبراير 1939 تفسيرًا علميًا ثوريًا لتجارب إنريكو فيرمي على اليورانيوم، افترضا أنّ ذرات اليورانيوم-235 يمكن أن تنقسم إلى ذرات أصغر عند قصفها بالنيوترونات، مما يؤدي إلى إطلاق كمية هائلة من الطاقة وعدد من النيوترونات الجديدة. أطلق مايتنر وفريش على هذه العملية اسم (الانشطار النووي). تُشير فرضيتهما إلى أنّ كل ذرة من اليورانيوم-235 تنقسم إلى ذرتين أصغر، وتطلق ما بين 2 و 3 نيوترونات جديدة، مما يُمكن أن يؤدي إلى سلسلة متفاعلة من الانشطار تُسمى (التفاعل المتسلسل).
ونجح العلماء في فصل أول عينة في العالم من اليورانيوم-235 داخل إحدى المختبرات في 29 فبراير عام 1940، وبعد إرسالها بالبريد إلى جامعة كولومبيا توصّل العالم جون دانينج John Dunning إلى أن هذا العنصر هو مادة الانشطارية المعزولة، وأنه يمكن تحويل اليورانيوم-235 ونظيره 238 نوويًا إلى البلوتونيوم القابل للانشطار، ومن هنا نشأت فكرة استخدام هذا العنصر في تطوير الأسلحة النووية.
استطاع فريق العالم الإيطالي الأمريكي فيرمي لأول مرة من خلال مشروع مانهاتن Manhattan في 2 ديسمبر 1942 من استخدام اليورانيوم المخصّب في إنتاج أسلحة نووية، فلم يكن اليورانيوم-235 موجودًا بكمّيات متوافرة في البداية لإنتاج تلك الأسلحة، واضطر الفريق أن يُغير الخطة والانتقال إلى معمل ستاغ فيلد Starfield في جامعة شيكاغو.
هيأوا في معمل ستاغ فيلد الأجواء المناسبة للتخصيب من خلال تكديس 400 طن من الغرافيت و58 طنًا قصيرًا أي 53 طنًا متريًا من أكسيد اليورانيوم و6 أطنان قصيرة أي 5.5 أطنان مترية من معدن اليورانيوم، لتبدأ مرحلة جديدة من الثورة الصناعية في مجال الاستخدامات النووية.
سعت الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية إلى تطوير أسلحة نووية قوية لإنهاء الصراع. لذلك، تمكنت من تصنيع نوعين رئيسيين من القنابل الذرية:
- قنبلة الولد الصغير: اعتمدت هذه القنبلة على اليورانيوم-235، وهو نظير نادر من اليورانيوم يحتاج إلى تخصيبًا مكثفًا. تميزت قنبلة الولد الصغير ببساطة تصميمها وقوتها الهائلة، إذ أحدثت انفجارًا هائلًا يعادل 15 كيلو طن من مادة تي إن تي TNT عند إلقائها على هيروشيما في 6 أغسطس 1945.
- قنبلة الرجل البدين: اعتمدت هذه القنبلة على البلوتونيوم، وهو عنصر اصطناعي يُنتج من اليورانيوم-238. كانت قنبلة الرجل البدين أكثر تعقيدًا من قنبلة الولد الصغير، لكنها كانت أيضًا أكثر قوة، مما أسفر عن انفجار هائل يعادل 21 كيلو طن من مادة تي إن تي TNT عند إلقائها على ناغازاكي في 9 أغسطس 1945.
كان أول استخدام لقنبلة الولد الصغير المصنوعة من اليورانيوم المخصّب في 6 أغسطس عام 1945 حين سقطت على مدينة هيروشيما اليابانية، وكان الانفجار بقوة تُعادل 12 ألفًا و500 طن من مادة تي أن تي TNT، ونسف ما يقرب من نصف مليون مبنى، وقتل قرابة 75 ألف شخص في دقائق معدودة.
مع نجاح استخدام اليورانيوم في إنتاج الطاقة النووية، ظهر بصيص أمل لإعادة تشغيل المفاعلات النووية القديمة التي تخلوا عنها بسبب نقص المواد الانشطارية. ففي عام 1972، اكتشف الفيزيائي الفرنسي فرانسيس بيرين Francis Perrin أكثر من 15 مفاعلًا نوويًا قديمًا متوقفًا عن العمل في منجم أوغلو في الغابون بغرب إفريقيا. بالرغم من ذلك، واجهت إعادة تشغيل هذه المفاعلات تحديًا كبيرًا، وهو نقص اليورانيوم بكميات كافية.
خارطة الإنتاج
يتراوح الإنتاج السنوي من اليورانيوم الطبيعي بين 55 و65 ألف طن، وتحتل كازاخستان المركز الأولى بقائمة الدول الأكثر إنتاجًا لهذا المعدن بإنتاج يبلغ نحو 19.4 ألف طن، بما يُشكل نحو 40% تقريبًا من حجم الإنتاج العالمي، بحسب بيانات الرابطة النووية العالمية لشهر سبتمبر عام 2021.
تحتل أستراليا المركز الثاني بإنتاجية يصل 7.4 آلاف طن، وتشكل 13% من الإنتاج العالمي، وتليها ناميبيا في المركز الثالثة بإجمالي إنتاج بلغ 5413 طنًا، وفي المركز الرابع كندا بإنتاج 3885 طنًّا، فيما جاءت أوزبكستان في المركز الخامسة بإجمالي إنتاج يصل 3500 طن، ومن بعدها في المركز السادس النيجر بـ 2991 طنًا، وتليها روسيا بالمركز السابع بإجمالي إنتاج يصل إلى 2846 طنًا، وفي المركز الثامن دولة الصين بإنتاج بلغ 1885 طنًّا، وأوكرانيا في المركز التاسع بإجمالي إنتاج 400 طن، ويعدها جاءت الولايات المتحدة الأمريكية في المركز العاشرة بإنتاج يبلغ 6 أطنان من اليورانيوم.
خارطة استهلاك اليورانيوم
أما بالنسبة للاستهلاك العالمي لمعدن اليورانيوم الحيوي، فتصدرت أمريكا المركز الأول ضمن قائمة أكثر الدول استهلاكًا لليورانيوم باستهلاك يصل إلى 16 ألف طن، وفي المركز الثاني فرنسا بإجمالي استهلاك 8.74 آلاف طن، وبعدها في المركز الثالث الصين باستهلاك 8.71 آلاف طن، وبعدها روسيا في المركز الرابع بإجمالي استهلاك يصل 5.62 آلاف طن، وتليها كوريا الجنوبية بالمركز الخامس بإجمالي 4.59 آلاف طن، وجاءت الهند في المركز السادس باستهلاك 2.33 ألف طن، وبعدها أوكرانيا في المركز السابع بإجمالي 1.89 ألف طن.
الترتيب | الدولة | الاستهلاك (بالطن) |
---|---|---|
1 | الولايات المتحدة | 16,000 |
2 | فرنسا | 8,740 |
3 | الصين | 8,710 |
4 | روسيا | 5,620 |
5 | كوريا الجنوبية | 4,590 |
6 | الهند | 2,330 |
7 | أوكرانيا | 1,890 |
8 | غير محدد | 1,800 |
9 | كندا | 1,620 |
10 | ألمانيا | 1,380 |
في المركز الثامن باستهلاك يصل إلى 1.8 ألف طن، وجاءت كندا في المركز التاسع بإجمالي 1.62 ألف طن، وجاءت ألمانيا بالمركز الأخير بإجمالي 1.38 ألف طن، وذلك تبعًا لإحصائية صادرة عن شركة ستاتيستا Statista الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، في أبريل عام 2020.
الوجه الآخر لليورانيوم
لم تكن الأسلحة النووية المجال الوحيد لاستخدام اليورانيوم، إذ يدخل في صناعة الزجاج ودروع الدبابات وبعض المجالات الطبية التي لها دور كبير في شفاء عدد من الأمراض المستعصية، ويبقى الاستخدام الأبرز لليورانيوم هو في مجال إنتاج الطاقة النووية المستقبلية.
تُقدم إعادة تدوير مخلفات اليورانيوم من محطات الطاقة النووية فرصة لتحسين كفاءة الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. أظهرت دراسة أجراها الباحثان ميلان سايكورا وإيجور يوسف من مختبر لوس ألاموس الوطني التابع لوزارة الطاقة الأمريكية في عام 2017 إمكانية تحويل اليورانيوم المنضب، وهو منتج ثانوي للتفاعلات النووية، إلى خلايا شمسية فعالة من خلال التحكم الدقيق في خصائص مادة اليورانيوم، مثل، السماكة ونسبة اليورانيوم إلى الأكسجين وخصائص التبلور والتنشيط. تُعدّ هذه التقنية خطوة هائلة نحو تحقيق حلّ مستدام للتخلص من نفايات اليورانيوم مع تعزيز مصادر الطاقة المتجددة، مثل، الطاقة الشمسية.
في دراسة أخرى لتوماس ميك Thomas Mick من مختبر أوك ريدج الوطني بولاية تينيسي الأمريكية، وتوصّل إلى إمكانية استخدام أكسيد اليورانيوم كأشباه مواصلات ممتازة، ويمكن الاستعاضة عنه بالاستخدامات التقليدية للسيليكون، والجرمانيوم، وزرنيخيد الغاليوم، والذي يُعد طفرة كبيرة في مجال الرقائق المعدنية والمواصلات.
بالرغم من الاستخدامات الكثيرة والحيوية لليورانيوم، إلا أن هناك مخاطر ناتجة عنه، إذ نشر اليورانيوم التلوث وعرض حياة الناس للخطر، وأدّت التجارب النووية التي أجراها الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة في فترة الخمسينيات وأوائل الستينيات، ثم فرنسا في السبعينيات والثمانينيات، إلى تطاير كميات ضخمة من نظائر اليورانيوم في الكثير من البلدان، مما تسبب في وقوع العديد من الحوادث الإشعاعية خلال السنوات الماضية.
بالانتقال من البيئة إلى الإنسان
يواجه عمال مناجم اليورانيوم مخاطر صحية جسيمة، خصوصًا الإصابة بسرطان الرئة، كما هو الحال مع عمال مناجم نافاجو. أظهرت الدراسات أنّ عمال مناجم نافاجو تعرضوا لمعدلات عالية من الإشعاع، مما أدى إلى إصابتهم بأعداد كبيرة من سرطان الرئة. أكدت الفحوصات أنّ هذا المرض ناتج مباشرةً عن عملهم في المناجم. أصدرت الحكومة الأمريكية إدراكًا لهذه المخاطر في عام 1990 قانونًا لتعويض العمال المتضررين من التعرض للإشعاع.
أفريقيا.. منجم اليورانيوم الذي أسال لُعاب العالم
يوجد كميات قليلة لليورانيوم في القشرة الأرضية موازنةً بالطلب المتزايد عليه في ظل استخداماته الحيوية كإحدى جسور العبور نحو المستقبل، مما جعلت البلدان المنتجة توجه جهودها نحو إفريقيا للتنقيب العالمي، وهدفًا رئيسيًا للكيانات الاقتصادية الدولية، وإحدى ساحات المواجهة الشرسة في معركة النفوذ الكبرى بين أباطرة الاقتصاد.
تُعرف إفريقيا بأنها أغنى قارة باحتياطيات اليورانيوم، إذ تمتلك ما يقارب 60% من الاحتياطيات العالمية لهذا المعدن الاستراتيجي. جذب هذا الكنز الثمين اهتمام الدول العظمى، مما أدى إلى تصاعد التنافس على موارده خلال العقود الثلاثة الماضية. سارعت فرنسا إلى استكشاف اليورانيوم في مستعمراتها الأفريقية السابقة، مثل، النيجر والغابون ومدغشقر. تُعزى هذه الجهود إلى حد كبير إلى نجاح الولايات المتحدة في تطوير القنبلة الذرية باستخدام اليورانيوم، مما أثار رغبة الدول الأخرى في امتلاك برامجها النووية الخاصة، وتؤكد الباحثة الجزائرية إيمان لوافي على هذا التوجه في دراستها.
بينت لوافي في بحث لها عن اليورانيوم في القارة الأفريقية، وتحديدًا جنوب الصحراء الذي تحول في الآونة الأخيرة إلى ورقة تجاذب ومخاوف، وورقة وظفت لإسقاط صراعات داخلية وأنظمة، وورقة لتبرير التدخل العسكري الأجنبي في الحرب على الإرهاب.
وضحت الورقة ملامح خارطة اليورانيوم في القارة السمراء التي يأتي في مقدمتها ناميبيا التي تمتلك من احتياطي اليورانيوم ما يقدّر بـ 383 ألف طن، بالإضافة إلى جنوب أفريقيا والتي تمتلك ما يقدّر بـ 338 ألف طن، وتليها النيجر وهي أكثر الدول الأفريقية امتلاكًا لاحتياطي المعدن إذ يصل إلى 450 ألف طن، هذا بجانب مناجم مكتشفة حديثًا في الكونغو الديمقراطية.
تمتلك الجزائر حوالي 1% من الاحتياطي العالمي بإنتاج يصل إلى 29 ألف طن بحسب أحدث الإحصاءات، علمًا أن هناك الكثير من الاكتشافات الحديثة التي ربما تزيد من تلك النسبة، والأمر لا يختلف كثيرًا في تنزانيا التي بينت الدراسات أنها تمتلك منطقة حقول اليورانيوم بجنوب شرق البلاد 360 ألف طن، وإن كان الإنتاج يقدّر في مراحله الأولية بنحو 14 ألف طن، والذي يُبين إمكانية أن تقفز إلى قائمة الكبار في إنتاج المعدن مستقبلًا.
جعل هذا المخزون الاستراتيجي من اليورانيوم الذي تتربّع عليه أفريقيا محطةً للتنافس الدولي وفتح باب الصراع على مصراعيه بين الشركات والقوى الكبرى، تتربع على رأسها فرنسا صاحبة الإرث الاستعماري الكبير في القارة، ولاسيما في منطقة الغرب، لأن نشاط التنقيب عن المعدن يكون ملحوظًا في النيجر من خلال شركة ARRIVA الفرنسية؛ مجموعة صناعية فرنسية تعمل في مجال الطاقة خصوصًا الطاقة النووية، والتي حصلت على حق استغلال المناجم المتواجدة هناك منذ عقود، ويلبي اليورانيوم المستخرَج من تلك البلدان الأفريقية رغبة أكثر من ثلث محطات الطاقة النووية لشركة O.D.F للكهرباء في فرنسا.
تُعزّز الولايات المتحدة وجودها القوي في مجال التنقيب عن اليورانيوم في إفريقيا، من خلال شركاتها المباشرة أو شركات تابعة لها تعمل في كندا وإسرائيل. تُشتهر شركة روجيت الكندية، التي حصلت على حقوق التنقيب عن اليورانيوم في منطقة فيلا فاليا Vila Velha الواقعة على بعد 350 كيلومترًا غرب العاصمة المالية باماكو، قرب حدود السنغال وغينيا، مثالًا بارزًا على هذه الاستراتيجية. تُشير هذه التطورات إلى اهتمام الولايات المتحدة المتزايد بتأمين إمداداتها من اليورانيوم، وهو معدن استراتيجي حيوي لبرنامجها النووي.
لا يمكن أن يغيب العملاق الصيني عن هذا الكنز الاستراتيجي، إذ عززت بكين علاقتها مع القارة الأفريقية خلال السنوات الماضية كثيرًا، حتى بلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفَين 350 مليار دولار سنويًا، بما يفوق حجم التبادل كلا الأوروبي والأمريكي مع القارة معًا.
تسابق بكين الخطى للاستفادة من المخزون الأفريقي من اليورانيوم الذي تحتاجه كثيرًا في صناعاتها الدفاعية وتعزيز قدراتها من الطاقة النووية، والذي يُفسّر تعزيزها للعلاقات مع الجزائر في مجال الطاقة النووية منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، والتفكير في إنشاء قاعدة عسكرية في القرن الأفريقي.
أتبعت روسيا خطى الصين في الاستعانة ببوابة دول شمال أفريقيا للدخول إلى خط المنافسة على ثروات القارة من اليورانيوم، إذ كثفت علاقتها الاستثمارية مع مصر ودول المغرب العربي في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى حذته إيران وكوريا الجنوبية وإسرائيل.
باتت إفريقيا على مفترق طرق، إذ أصبحت أراضيها الغنية باليورانيوم ساحة صراع عالمي جديدة. فاليورانيوم، العنصر الأساسي في الصناعات النووية العسكرية والمدنية على حدٍ سواء، يُعدّ مورداً استراتيجيًا ذا قيمة هائلة. تتميز احتياطيات اليورانيوم في إفريقيا بسهولة لاستخراج وجودة عالية، ناهيك عن انخفاض تكاليف الإنتاج موازنةً بمناطق أخرى. هذه العوامل مجتمعةً تُغري الدول الكبرى بالتنافس على السيطرة على هذه الموارد الثمينة، مما يُهدد بتحويل القارة إلى ساحة صراع على النفوذ.
الخاتمة
تعرفنا على اليورانيوم فهو معدنًا استراتيجيًا ذو أهمية كبيرة في العصر الحديث، يُشكل عصب الصناعات المستقبلية وعنصرًا أساسيًا في توليد الطاقة النووية، وبديلًا واعدًا للطاقة الأحفورية المُلوّثة. يُمثّل اليورانيوم أيضًا مصدرًا للطاقة النووية، التي تُستخدم في العديد من المجالات، مثل، الطب والزراعة والبحث العلمي. تُعدّ الدول التي تمتلك احتياطيات كبيرة من اليورانيوم في وضعٍ مُهيمنٍ، إذ يُمكنها استخدام هذا المعدن الثمين لتعزيز نفوذها على الصعيدين الإقليمي والدولي. ولكن، على الرغم من فوائده المتعددة، إلا أنّ اليورانيوم يُمكن أن يُستخدم أيضًا في تطوير الأسلحة النووية، ممّا يُشكل تهديدًا خطيرًا للسلام والأمن الدوليين. لذلك، فإنّ استخدام اليورانيوم يتطلب مسؤولية أخلاقية عالية وحرصًا شديدًا على ضمان سلامة الإنسان والبيئة.