يُعرف صندوق النقد الدولي International Monetary Fund على أنه إحدى المؤسسات التمويل الدولية، التي تعزز وتدعم النمو الاقتصادي العالمي وتشجع على التعاون النقدي العالمي في سبيل المحاولة للحفاظ على الاستقرار المالي العام داخل الدول الأعضاء للصندوق. عادة ما يُشار إلى صندوق النقد الدولي اختصارًا IMF.
يشجع صندوق النقد الدولي تفعيل التجارة الدولية، ومن أهم الأهداف الرئيسية التي يسعى إليها هي تقليل مستويات الفقر حول العالم، ويمكن لكل دولة امتلاك حصة معينة في هذا الصندوق والتي ستُشكل عامل أساسي في تحديد قوة التصويت في قرارات الصندوق المرتبطة بتحسين اقتصادات الدول، وتمتلك الدول الأعضاء الحق في السحب Special Drawing Rights الذي يعطي نوعًا دوليًّا محددًا من العملات الاحتياطية النقدية التي أنشأها الصندوق كخطة ثانويّة لاحتياطات الدول الأعضاء الحالية التي تمتلكها خزينة الدولة ذاتها.
نشأة صندوق النقد الدولي
نشأ صندوق النقد الدولي في مؤتمر بريتون وودز عام 1944، وذلك لتأمين التعاون النقدي الدولي لتنفيذ خطط لتثبيت أسعار صرف العملات، والعمل على توسيع السيولة الدولية عن طريق الوصول إلى العملات الصعبة بطريقة سهلة، ولجأت الدول إلى اتخاذ قرار بإنشاء هذه المنظمة بعد ما شهده العالم من زعزعة اقتصادية أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانيّة في القرن العشرين، والذي تسبب في حصول دمار مادي واقتصادي كبير في دول أوروبا و حدوث الكساد العظيم Great Depression الذي زاد الأمر سوءًا، وجاءت فكرة تخفيض قيود صرف العملات الأجنبية وتخفيض قيمة العملات التنافسية في حال حدوث مشكلات اقتصادية لدى إحدى الدول الأعضاء في هذه المنظمة.
اتفق مندوبو 44 دولة حول العالم على صياغة بنود الاتفاقية الخاصة بصندوق النقد الدولي، وازداد عدد الدول الأعضاء مع مرور الوقت ليصبح 190 دولة، ويقع مقر صندوق النقد الدولي في العاصمة واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية.
كان هدف صندوق النقد الدولي في البداية مساعدة دول أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، كما سعى لإصلاح النظام الاقتصادي العالمي بعد انهياره تبعًا لقاعدة الذهب والتي نصت على تحديد كل دولة عملتها بمقدار من الذهب أي معادلة قيمة العملة مع قيمة وزن محدد من الذهب الخالص بحيث يمكن مبادلة هذه العملة بالذهب أو العكس وبسعر رسمي ثابت، وتغيرت هذه القوانين لاحقًا وتوسعت أهداف الصندوق ليصبح فيما بعد يساعد الدول الفقيرة والنامية وخصوصًا دول إفريقيا على تنمية اقتصادها.
مصدر تمويل صندوق النقد الدولي
توفر دول الأعضاء في صندوق النقد الدولي موارد القروض من تكلفة اشتراكات الحصص (أو رأس المال) التي تسددها الدول الأعضاء للحصول على عضوية الصندوق أو في أعقاب المراجعات الدورية التي تزاد فيها الحصص، وتدفع الدول 25% من اشتراكات حصصها بحقوق السحب الخاصة و 75% بعملة الدولة الوطنية، كما أنها تلجأ إلى الدول التي تنتمي للمنظمة ولديها مصادر دعم خارجية قوية للإقراض، ويستخدم الصندوق الإقراض متعدد الأطراف كخط دفاع ثاني من خلال توفير تكملة مؤقتة لموارد الحصص التي يدفعها الأعضاء.
وظائف صندوق النقد الدولي
يُغطي صندوق النقد الدولي ثلاثة مجالات أساسية، والتي يمكن تلخيصها كالآتي:
- وظيفة رقابية من خلال متابعة اقتصاد الدول الأعضاء
تعد المهمة الأساسية لصندوق النقد الدولي متابعة سير الأعمال في اقتصادات الدول الأعضاء والتي يبلغ عددها 190 دولة، والعمل على تحقيق الاستقرار الاقتصادي في النظام النقدي العالمي، ويحدث هذا الأمر عن طريق مراقبة النشاط الاقتصادي الوطني والعالمي، ومناقشة التطورات التي تؤثر على المستويين الوطني أو المحلي والعالمي، لذلك يجب أن توافق الدول الأعضاء على السياسات التي يستعملها صندوق النقد الدولي لتأدية وظيفته وتقديم الشورى المناسبة للمسؤولين. كما تتضمن وظيفته الرقابية متابعة أسعار الصرف للدول، ومنع الدول من تخفيض قيمة عملاتها إلا بشروط معينة، لتفادي نشوء ما يسمى بحرب العملات Currency War بين الدول.
- وظيفة تمويلية من خلال إقراض الدول
يُقرض صندوق النقد الدولي الأموال للدول الأعضاء لديه بهدف دعم اقتصادات هذه الدول وحمايتها من المشكلات التي تواجهها في ميزان المدفوعات، وتعمل هذه المساعدات على تجديد الاحتياطي الخاص بالدول، والمساهمة في تحقيق استقرار العملات وتأمين بيئة جيدة للنمو الاقتصادي، كما أن هناك فرصة للدول لتسدد هذه القروض اعتمادًا على خطط معينة يراقبها صندوق النقد الدولي للتأكد من سيرها بطريقة صحيحة، ويمنح صندوق النقد الدولي الإقراض المالي للدول بطريقتين، أولاهما هي الإقراض بشرط الحصول على أسعار فائدة غير ميسرة، وثانيهما الإقراض للدول التي تعاني من فقر ومستويات دخل منخفضة، من خلال فرض أسعار فائدة ميسرة أو معدومة تقريبًا عليهم.
- المساعدات التقنية
تشمل مساعدة الدول من خلال تنمية قدراتها الخاصة بتقديم المشورة والمساعدة الاقتصادية والتدريب على برامج مختلفة تابعة لها، كالدورات التي تضم المواضيع الآتية:
- السياسات المالية.
- السياسات النقدية وأسعار الصرف.
- الرقابة والإشراف على النظام المالي والنقدي في الدول.
- الإحصائيات الاقتصادية.
تهدف المنظمة إلى تعزيز القدرات البشرية والمؤسسية في الدول الأعضاء، ويعد هذا المجال مهمًا جدًا في دعم الدول التي تعاني من إخفاقات اقتصاديّة أو فشل في إدارة الأزمات التي تواجهها باستمرار، مما يعني زيادة فرصة نمو الأعمال داخل الدول وزيادة الاستثمار لديها مع مرور الزمن.
تعزيز التجارة الخارجية بين الدول وإزالة المعوقات من أمامها مثل العراقيل الجمركية، مما يعزز استقرار ميزان المدفوعات، وتقديم المشورة والنصح للدول فيما يخص أوضاعها المالية والاقتصادية من أجل إصلاح الوضع الاقتصادي للدولة، ولكن الدولة ليست ملزمة بتنفيذ هذه التوصيات.
أهداف صندوق النقد الدولي
تتعدد أهداف صندوق النقد الدولي، وسنتعمق أكثر بالأهداف الرئيسية التي تسعى المنظمة الخاصة بصندوق النقد الدولي إلى تحقيقها:
- تحقيق التعاون النقدي الدولي: يشكل الهدف الأهم للصندوق هو العمل على إقامة التعاون النقدي بين مختلف الدول الأعضاء عن طريق توفير المشورة الدائمة لهم، وتشجيع استثمار رأس المال في بعض الدول التي تعاني من نقص في حجم التدفق النقدي في اقتصادها، أو انخفاض مستوى الإنفاق لدى الأفراد، وذلك بهدف تحقيق مستوى معيشي أفضل لشعوبها.
- ضمان استقرار أسعار الصرف: يتمثل هذا الهدف في الاحتفاظ بترتيب صرف العملات المنظم بين الدول، بالإضافة إلى استبعاد الانخفاضات غير الضروريّة في أسعار الصرف.
- تحقيق النمو المتوازن للتجارة: فمن الأهداف الرئيسية لصندوق النقد الدولي محاولة زيادة وتعزيز التجارة الدولية من أجل الوصول إلى التوسع المطلوب في العلاقات بين الدول الأعضاء.
- تخفيف ضوابط صرف العملات: فمن خلال تدخل صندوق النقد الدولي وتوسطه يُخفف مستوى الحواجز والشروط الخاصة بصرف العملات، بالإضافة إلى التشجيع على تدفق التجارة الدولية عن طريق تحقيق ذلك.
- إنشاء نظام متعدد الأطراف: يهدف صندوق النقد الدولي إلى إنشاء نظام تجاري متعدد الأطراف، كتحقيق الاتفاقيات الثنائية التجاريّة فيما يتعلق بمعاملات الدفع وما إلى ذلك.
- تحقيق النمو الاقتصادي للدول الأعضاء: يهدف الصندوق إلى تحقيق النمو الاقتصادي والعمل على تحقيق التوازن المطلوب عن طريق استعمال أسلوب التوظيف المتبادل بين الدول.
- تصحيح سوء التخطيط الاقتصادي للدول الأعضاء: عن طريق منح القروض والأموال اللازمة لتفادي الخسائر الكبيرة وللقضاء على فرص حدوث خلل في التوازن العام لاقتصاد الدول عن طريق منحهم الثقة اللازمة ومشاركتهم في إيجاد الحلول الملائمة لكافة الجوانب.
الحصص والقوة التصويتية في صندوق النقد الدولي
يتكون رأس مال الصندوق من مساهمة كل الدول الأعضاء من النقد الأجنبي والذهب وعملة الدولة المحلية بنسبة أكبر إذ تحدد حصة كل دولة مقدار التمويل الذي تريد الحصول عليه من الصندوق وحجم الموارد الواجبة عليه تقديمها للصندوق إذ يتكون 75% من عملة الدولة المحلية ومن 25% من حقوق السحب الخاصة والنقد الأجنبية.
بالإضافة للقوة التصويتية التي تتمتع بها لذلك يخضع الصندوق وقراراته لهيمنة الدول الرأسمالية الصناعية الكبرى مثل دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان بحكم حصولها على أكبر الحصص؛ مما يشكل صعوبة للدول النامية الأخرى مثل الهند والبرازيل في التأثير على القرارات.
وتُعرف حقوق السحب الخاصة على أنها أصول احتياطية تكميلية أضيفت فيما بعد للصندوق وتتشكل من الدولار الأمريكي والذهب وتكون الدولة ملزمة بتساوي نسبتها هذه مع حصتها في رأس مال الصندوق.
الانتقادات الموجهة لصندوق النقد الدولي
تعرض صندوق النقد الدولي للكثير من الانتقادات أن برنامج صندوق النقد الدولي يمكن أن يترك البلدان في بعض الأحيان فقيرة كما كانت لكن مع أضافة الديون عليها من خلال قروض البنك الدولي وصفوة حاكمة أكثر ثراءً. ومن الانتقادات الأخرى هي أن القروض التي تقدم من الصندوق إلى الدول تكون ضارة في حالات كثيرة خاصة التي توجه إلى الدول النامية ودول العالم الثالث.
كما تضمنت الانتقادات أيضًا سطوة الولايات المتحدة الأمريكية على البنك وتحكمها في إعطاء القروض لأي دولة، إذ هي الدولة الوحيدة التي تمتلك حق الفيتو من بين الدول الأعضاء.
ومن الانتقادات الأخرى تبني صندوق النقد لسياسات رأسمالية تساعد على السوق الحر، ويرفض أية قيود من الدول المقترضة على النقد الأجنبي، أو الرقابة على الصرف، أو أي تدخل من الحكومات على السياسات النقدية للدولة، ويشجع القطاع الخاص واقتصاد السوق الحر. هذه التعليمات يمكن ألا تتناسب مع جميع الدول التي يكون وضعها الاقتصادي والاجتماعي مختلفًا اختلافًا كبيرًا مع نظيرتها من الدول المقترضة الأخرى.
الخاتمة
تعرفنا على صندوق النقد الدولي International Monetary Fund كما استعرضنا وظائف هذا الصندوق، وأهدافه مثل، تحقيق التعاون النقدي الدولي، وضمان استقرار أسعار الصرف. واطلعنا أيضًا على وظائف صندوق النقد الدولي، والحصص والقوة التصويتية في صندوق النقد الدولي والانتقادات الموجهة للصندوق.