ساهمت النقود في تطور الحضارات البشرية، ولعبت دورًا أساسيًا في تسهيل التبادل التجاري بين الأفراد والمجتمعات، وعملت كوسيط مقبول لتحقيق الصفقات المختلفة. منذ نشأتها، مرّت النقود بمراحل تطور متعاقبة، بدءًا من النقود السلعية التي كانت تعتمد على قيمة المواد مثل الذهب والفضة، وصولًا إلى النقود الورقية، وأخيرًا النقود المصرفية.
لنستعرض مفهوم النقود وأنواعها الرئيسية، وسماتها ودورها في النظام الاقتصادي الحديث.

أهمية النقود
تشكل النقود وحدة تبادل التجاري للأفراد والشركات والدول، وتختلف من دولة إلى أخرى، كما هي تسهل التبادل التجاري، والتحويلات المرتبطة بالخدمات والسلع. تؤدي النقود وظائف عديدة في الاقتصاد، فالنقود هي أولًا وقبل كل شيء، وهي وسيط للتبادل في حال توافقت جميع الأطراف الاقتصاديّة على قيمة محددة للنقود فسوف تختفي الحاجة لوجود نظام المقايضة والذي يستلزم رغبة كل طرف باقتناء البضائع المقدمة من الطرف الآخر، وبالتالي تُعد النقود وسيط للتبادل السريع وملائم في العمليات التجاريّة.
تحمل النقود نفس القيمة مع مرور الزمن، أيّ يحفظ الاستثمار في العملة على القيمة نفسها للعملة لغد أو بعد سنة من الآن، في حين أنّ الاستثمار في الأسماك على سبيل المثال ستفقد العملة قيمتها بعد عدة أيام بسبب تحللها.
يُحدد الطلب على النقود عن طريق مستوى الأسعار ومستوى النشاط الاقتصادي، ويمثّل سعر الفائدة سعر تكلفة النقود، وتتحدد معدلات الفائدة عن طريق الطلب على النقود، أي كلما انخفض الطلب على النقود ستنخفض معدلات الفائدة، وذلك بسبب تراجع النشاط الاقتصادي، والعكس صحيح.
أنواع النقود تشمل ثلاثة أنواع رئيسية، وهي:
- النقود السلعية Commodity Money: تعتمد على سلع تحمل قيمة ذاتية، مثل الذهب والفضة، حيث تُستخدم كوسيلة للتبادل وقيمة ثابتة تُقبل بشكل واسع.
- النقود الورقية Fiat Money: تكون قيمتها الاسمية أكبر من قيمتها المادية، وتُعد العملة الرسمية في معظم دول العالم، مثل الدولار الأمريكي. تعتمد النقود الورقية على ثقة الناس في الحكومات التي تصدرها، حيث لا تستند إلى قيمة سلعية.
- النقود المصرفية Bank Money: تشمل الحسابات الجارية والشيكات والودائع البنكية التي يمكن سحبها أو استخدامها مباشرة من البنوك. تعد هذه النقود من وسائل الدفع الشائعة وتتمتع بالمرونة في استخدامها.
كل نوع من هذه الأنواع له دور فريد في تسهيل التعاملات المالية وتلبية احتياجات اقتصادية مختلفة.
إقرأ أيضًا: رحلة النقود: كيف بدأت وأصبحت أساس الاقتصاد العالمي
وظائف النقود وأهميتها
تدرجت وتنوعت النقود مع تطور النظم الاقتصادية وازداد نموها وازدهارها، فأصبحت النقود من المتغيرات الاقتصادية المهمة التي تؤثر وتتأثر بغيرها من المتغيرات الأخرى التي تشمل الإنتاج والعمالة والدخل والاستهلاك والاستثمار.
سبق أن ذكرنا أن النقود جاءت لتحل محل نظام المقايضة متلافية لعيوبه، وتتجسد أهمية النقود بأنها أفضل وسيط للتبادل، إضافة إلى أنها تؤدي العديد من الوظائف، فهي معيار للمدفوعات المؤجلة ومقياس للقيمة ومستودع للثروة.
- النقود وسيط للتبادل
تُعد النقود وسيطًا للتبادل بين المتعاملين لها في السوق، أي أن تكون مقبولةً قبولًا عامًا من جانب جميع الأفراد، ويتطلب القبول العام للنقود درجة عالية من الثقة في قيمة الوحدة من النقود، وقيمة الوحدة من النقود، لا يقصد بها قيمتها النقدية، لإنها ثابتة لا تتغير، بل تمثل قيمة النقود الحقيقية التي تعكس القوة الشرائية لها.
تُعرف القوة الشرائية للنقود بأنها عبارة عن كمية السلع والخدمات التي يمكن أن تجري بها عملية التبادل في السوق بواسطة وحدة نقدية وترتبط النقود ارتباطًا عكسيًا مع المستوى العام للأسعار، فكلما انخفض المستوى العام للأسعار، كلما ارتفعت القيمة الحقيقية للنقود والعكس صحيح، وبذلك يرتبط القبول العام للنقود من المتعاملين في السوق على درجة الثقة في قيمتها، فكلما ارتفع المستوى العام للأسعار انخفضت قيمتها واهتزت ثقة المتعاملين فيها والعكس صحيح.
- النقود مقياس للقيمة
تعدُّ النقود مقياسًا للقيمة إلى جانب كونها وسيطًا للتبادل، حيث تمثل وحدة قياس تقيس بها قيم السلع والخدمات المختلفة، وتحدد نسبة قيمة كل سلعة أو خدمة مقارنةً بغيرها. تختلف النقود كوحدة قياس عن وحدات القياس الأخرى، كالمتر والكيلوغرام والطن، لأنها ليست ثابتة القيمة؛ إذ تتأثر قيمتها بارتفاع أو انخفاض المستوى العام للأسعار، كما أشرنا سابقًا.
تكسب النقود أهمية كبيرة بكونها مقياسًا للقيمة؛ فهي تستخدم في قياس ثروات الأمم، موازنات الدول، وأصول وخصوم الشركات، وغيرها من الاستخدامات الضرورية لبناء الاقتصاد. وتختلف وظيفة النقود كمقياس للقيمة عن دورها كوسيط للتبادل، فعلى سبيل المثال، إذا حدَّد صانع الأحذية سعر الحذاء بعشرة دولارات، فإنه بذلك استخدم النقود كمقياس للقيمة، بينما إذا باع الحذاء وحصل مقابلًا عليه عشرة جنيهات، فقد استعمل النقود كوسيط للتبادل.
- النقود مستودع للقيمة
هناك العديد من الوسائل التي استخدمها الإنسان للحفاظ على ثروته على مر الزمن، فنجد أنه استخدم الحيوانات والمعادن والبضائع والعقارات والأوراق المالية وغيرها من السبل التي لن ترقى إلى مرتبة النقود كمستودع للقيمة لأسباب عدة، فإذا نظرنا إلى الحيوانات والبضائع فهي معرضة للتلف أو الهلاك بمرور الزمن، وأما بالنسبة للمعادن فإن منها ما يصدأ ويتآكل بمرور الزمن، وأما بالنسبة للمعادن النفيسة والعقارات فيصعب تحويلها لأموال مباشرة.
تُعرف النقود بأنها كاملة السيولة أي إمكانية التصرف فيها في أي وقت كان، من أجل شراء أي شئ من الأسواق أو لتسوية أي التزام، أما إذا احتفظ أي شخص بثروته في صورةٍ أخرى غير النقود، فيجب أن يُحولها إلى نقود أولًا حتى يتسنى له أن يسد حاجاته التي يرغبها.
- النقود معيار للدفع المؤجل
تُستخدم النقود كمقياس للقيم المستقبلية، إذ تقيس الديون والصفقات وغيرها من المدفوعات المؤجلة بقدر محدد من الوحدات النقدية، فإذا تعاقد شخص ما مع آخر على توريد كمية معينة من السلع في مقابل مبلغ محدد من النقود، أو تحرر شيكًا من شخص لآخر بمبلغ محدد مقابل شراء أصل من الأصول، أو إصدار دولة سندات حكومية بقيمة اسمية محددة مقابل الحصول على مبلغ محدد يمثل القيمة الحالية للسند، في جميع الحالات السابقة يُستخدم النقود لقياس المدفوعات المؤجلة وكمقياس للقيمة، وأيضًا كمعيار للدفع المؤجل، مبني على وجود ثقة بين الأفراد في ثبات القيمة الحقيقية للنقود واستقرارها، وذلك لأن التقلبات في القيمة الحقيقية للنقود، سواء بالارتفاع أو الانخفاض، سوف يقلص من دورها كمقياس للقيم الحالية وربما يجعلها غير صالحة كوحدة لقياس المدفوعات المؤجلة.
ومن الملاحظ أن لكل دولة وحدة قومية نقدية، ففي حالة التعاملات بين دول مختلفة والتعاملات بين أفراد دول مختلفة أيضا، فإن الحصول على وحدة نقدية واحدة ترضى جميع المتعاملين، يصعب تحقيقه بدون وجود نظام نقدي دولي يعمل على تسوية الالتزامات بين الدول وأفرادها وتنظيم التعاملات بالوحدات النقدية القومية المختلفة.
إقرأ أيضًا: ما هي قائمة التدفقات النقدية؟ انواعها واهميتها وتأثيرها
دور البنك المركزي والنظام المصرفي
يؤمّن البنك المركزي Central bank النقود في معظم الدول، ولا يقتصر دوره على توفير النقود وتحديد سعرها، بل يشمل تنظيم النظام المصرفي بأكمله. تبيع المصارف النقود وتشتريها بفعالية، إذ تشتري أموال المودعين الذين يتنازلون عن منفعة إنفاق هذه النقود مقابل الحصول على الفائدة وحفظ الأموال، ثم تبيعها للمقترضين عبر القروض.
يحتفظ البنك المركزي بحد أدنى من النقود أو الأصول المالية الآمنة التي تحددها الحكومة كنسبة من ودائع المصرف، ويعرف هذا بالاحتياطي الإلزامي. بعد اقتطاع هذا الاحتياطي، تقرض المصارف العملاء بحرية، ويظهر من هذه العملية مفهوم مضاعف النقود، الذي يعكس تأثير الاحتياطيات على مضاعفة الأموال المتاحة للاقتصاد.
السياسة النقدية Monetary policy
تحدد حكومة الدولة السياسة المالية Fiscal policy، بينما تقع مسؤولية السياسة النقدية على عاتق المصارف المركزية، وتُطبّق السياسة النقدية عبر ثلاث أدوات أساسية:
- متطلبات الاحتياطي الإلزامي.
- عمليات السوق المفتوحة.
- أسعار الفائدة.
تعني عمليات السوق المفتوحة بيع أو شراء الاحتياطي الفدرالي للأوراق المالية الحكومية؛ فإذا أراد الفدرالي زيادة العرض النقدي، يدخل السوق كمشترٍ للأوراق المالية، أما إذا رغب في تقليل العرض النقدي وسحب السيولة من السوق، فيتجه للبيع.
فيما يخص متطلبات الاحتياطي الإلزامي، يؤدي تعديل نسبة الاحتياطي إلى زيادة أو تقليل قدرة البنك على الإقراض، حيث يُلزم القانون جميع المصارف بالاحتفاظ بحد أدنى من الاحتياطي كنسبة من الودائع. تُمنح المصارف حرية إقراض ما تبقى لديها من أموال، وعند رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي، ستقل قدرة المصارف على منح القروض مما يقلل العرض النقدي، والعكس يحدث عند تخفيض النسبة.
يعدّ معدل الخصم أداة يعتمد عليها بنك الاحتياطي الفدرالي لتحديد تكلفة الاقتراض، فعند رفع أو خفض معدلات الفائدة يدفع الفدرالي المصارف للاقتراض إما بزيادة أو نقص الكميات المقترضة، وهذا يؤثر بدوره على العرض النقدي حين تتم إعادة إقراضها لعملاء البنوك.
يتبنى أتباع المدرسة الكينزية Keynesians وجهة نظر تؤكد إمكانية تأثير السياسة النقدية على الطلب الكلي، مما يسهم في تقليل حدة فترات الركود وتقصير مدتها، إذ يرى الكينزيون أن معدلات الفائدة المنخفضة تحفز الشركات على الاستثمار، وتدفع المستهلكين إلى زيادة الاستهلاك، بينما تؤدي معدلات الفائدة المرتفعة إلى العكس.
من جانب آخر، لا يتفق النقديون Monetarists مع هذه النظرة، فهم يرون أن التغيرات في العرض النقدي لا تحدث أثرًا طويل الأجل على الناتج المحلي الإجمالي، بل تؤثر فقط على مستوى الأسعار ومعدلات التضخم. ويعتقد النقديون أن أي محاولات لخفض أو رفع معدلات الفائدة قد تزعزع استقرار الاقتصاد وتزيد التضخم، دون أن تحقق أثرًا مستدامًا على النمو.
تتمحور أغلب الحجج حول فعالية السياسة النقدية بشأن مفهوم سرعة دوران النقود، والذي يمثل مدى تكرار استخدام وحدة نقدية واحدة في فترة محددة. وكلما زادت سرعة دوران النقود قلَّ العرض النقدي مع بقاء النشاط الاقتصادي ثابتًا، ويعتبر النقديون أن سرعة دوران النقود تتسم بالثبات النسبي أو ببطء التغير، لذا فإن زيادة العرض النقدي تؤدي غالبًا إلى ارتفاع الأسعار فحسب.
الخاتمة
تعرفنا على النقود والمصارف؛ إذ تمثل النقود وحدة للتبادل التجاري بين البلدان، وتتألف من نقود سلعية ومصرفية وتجارية. تؤدي النقود عدة وظائف في الاقتصاد، حيث تعتبر أولًا وقبل كل شيء وسيطًا للتبادل بين الأفراد والشركات والدول. يؤمّن البنك المركزي في معظم البلدان إصدار النقود، بينما تشير عمليات السوق المفتوحة إلى بيع أو شراء الأوراق المالية الحكومية من قبل الاحتياطي الفدرالي.