هل تساءلت يومًا لماذا يمر الاقتصاد بمراحل من الانتعاش ثم يعقبها فترات من الركود؟ أو ما هي العوامل التي تحرّك الأسواق صعودًا وهبوطًا؟ تُعرف هذه الظاهرة باسم “دورة الأعمال”، وهي سلسلة من المراحل الاقتصادية التي تؤثر على حياتنا اليومية، من فرص العمل إلى أسعار المنتجات والخدمات. تختلف آراء الاقتصاديين حول أسباب هذه التقلبات، وما إذا كانت الحكومات قادرة على توجيه الدورة الاقتصادية أو تخفيف آثارها.
لنستكشف مراحل دورة الأعمال، ونفهم كيف يمكن أن تؤثر عوامل مثل السياسات المالية والنقدية، والابتكار التكنولوجي.
تعريف دورة الأعمال Business Cycle
تُشير دورة الأعمال Business Cycle إلى النمط العام المتكرر والذي يحدث في الأعمال التجارية أو الاقتصاد والتي يمكن التنبؤ بها إلى حد معين ومعرفة التقلبات الدورية التي يمكن أن تمر بها في مستوى النشاط الاقتصادي على مدى فترة من الزمن، وتدعى أيضًا الدورة التجارية Trade Cycle أو الدورة الاقتصادية Economic Cycle، وتظهر دورة الأعمال غالبًا في الدول الرأسمالية أو التي تعتمد على الحرية الاقتصادية وعدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي.
تُقاس دورة الأعمال عن طريق الناتج المحلي الإجمالي Gross Domestic Product والبطالة، إذ يزداد الناتج المحلي الإجمالي وتنخفض البطالة أثناء مراحل التوسع، ويحدث العكس أثناء مراحل الانكماش، ويُقصد بدورة الأعمال أي نمط التوسع والانكماش والتعافي في الاقتصاد.
مراحل دورة الأعمال
تتألف دورة الأعمال من أربع مراحل يمر بها الاقتصاد وهي:
- التوسع Expansion: أو التعافي Recovery أو الازدهار Boom عندما يحدث التوسع، تحدث زيادة في التوظيف والدخل والإنتاج والمبيعات، ويسدد الناس عادةً ديونهم في الوقت المحدد؛ لأن الاقتصاد يتدفق باستمرار في العرض النقدي، والاستثمار يزدهر.
- الذروة Peak: هي المرحلة التي تصل فيها مرحلة التمدد إلى أعلى نقطة لها وتبدأ في التباطؤ، مثل مؤشرات الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات التوظيف والتضخم، ويكون الاقتصاد في أقرب من طاقته الكاملة وأكثر عرضة للركود.
- الركود Recession أو الانكماش Contraction: ترتفع البطالة في هذه المرحلة، ويتباطأ الإنتاج، وتبدأ المبيعات في الانخفاض بسبب انخفاض الطلب، والدخل يصبح راكدًا أو ينخفض.
- الكساد Depression: يستمر انخفاض النمو الاقتصادي بينما ترتفع البطالة وينخفض الإنتاج، ويجد المستهلكون ورجال الأعمال صعوبة في تسديد الديون؛ لأن التجارة تقل وحالات الإفلاس تزداد، وتنخفض ثقة المستهلكين ومستويات الاستثمار أيضًا.
- القاع Trough: هي المرحلة التي يصل فيها الكساد أو الركود إلى أدنى نقطة له، وهذه هي النقطة التي يكون فيها الاقتصاد أكثر عرضة للانتعاش ليبدأ في الدوران من جديد.
تسلط حركة الاقتصاد الضوء على بعض العلاقات الاقتصادية عن طريق دورات الأعمال، ففي حين يرتفع وينخفض النمو مع الدورات الاقتصادية، إلا أن هناك خطأ في اتجاه النمو طويل المدى، أي عندما يكون النمو الاقتصادي فوق خط الاتجاه trend line ستنخفض عادةً معدلات البطالة، ويُعبّر عن هذه العلاقة عن طريق قانون أوكون Okun؛ والذي يمثل معادلة تقتضي أن كل 1% من نمو الناتج المحلي الإجمالي فوق خط الاتجاه تساوي معدل انخفاض البطالة بنسبة 0.5%.
أما بالنسبة للعلاقة بين النمو والتضخم فهي ليست واضحة كالعلاقة بين النمو والبطالة، ولكن يميل التضخم إلى الانخفاض أثناء فترات الكساد، وإلى الارتفاع أثناء فترات التعافي.
الجدل الاقتصادي حول التأثير على دورة الأعمال
مايزال الجدل قائمًا بين الاقتصاديين فيما يتعلق بالأمور التي تؤثر على طول وأهمية كل جزء من أجزاء الدورة الاقتصادية، وقدرة الحكومة في التأثير على هذه العملية، فعلى سبيل المثال، يعتقد الكينزيون أن الحكومة قادرة على التقليل من أثر الركود وتقصير مدته من خلال تخفيض الضرائب وزيادة الإنفاق العام، بالإضافة إلى تفادي إنهاك الاقتصاد وتدهوره في مراحل التوسع عن طريق زيادة الضرائب وتخفيض الإنفاق العام.
يختلف العديد من الاقتصاديين الذين يتبعون التيار النقدي بالموازنة مع فكرة الدورات الاقتصادية ويفضلون النظر إلى التغيرات الاقتصادية على أنها تقلباتٌ غير منتظمة وغير دورية، وكما يعتبرون أن الانخفاض في نشاط الأعمال ينتج عن الظواهر النقدية، وأن التضخم الذي تحفزه الحكومة غير فعال حتى في أفضل الأحوال، ومزعزع للاستقرار في أسوأ الأحوال.
هنالك الكثير من النظريات البديلة حول دورات الأعمال، التي تنص على أسباب حدوثها وآثارها، فعلى سبيل المثال، يعتقد الاقتصاديون الذين يتبعون لنظرية دورات الأعمال الحقيقية أن الصدمات الخارجية التي تقود دورات الأعمال مثل التقدم التكنولوجي والابتكار، إضافة إلى قضايا مثل القدرة الإنتاجية المفرطة التي تؤدي إلى الانخفاض في النشاط الاقتصادي، ويشير اقتصاديون آخرون إلى أن المضاربة المفرطة أو خلق مستويات مبالغ بها من رأس المال المصرفي قادرة على تأثير وتحريك دورات الأعمال.
أسباب حدوث دورة الأعمال
يساعد فهم أسباب دورات الأعمال المستثمرين وصناع السياسات وقادة الأعمال في توقع التغيرات الاقتصادية والاستجابة لها، وهناك العديد من العوامل التي تساهم في حدوث دورات الأعمال ومن بينها نذكر:
- العوامل النقدية والمالية
تؤثر البنوك المركزية على الاقتصاد من خلال التلاعب بعرض النقود وأسعار الفائدة عندما يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة، فإنه يحفز الاقتراض والإنفاق، مما يؤدي إلى التوسع الاقتصادي، وبالمقابل، عندما يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة، يمكن أن يبطئ الاقتراض والإنفاق، مما يؤدي إلى الركود.
تلعب سياسات الإنفاق الحكومي والضرائب أيضًا دورًا في التسبب في دورات الأعمال، ويمكن للإنفاق الحكومي أن يحفز النمو الاقتصادي من خلال زيادة الطلب على السلع والخدمات، في حين أن التخفيضات الضريبية يمكن أن تضع المزيد من الأموال في جيوب المستهلكين، الأمر الذي يؤدي لزيادة الإنفاق، ومع ذلك، يمكن أن يؤدي الإنفاق الحكومي المفرط إلى التضخم وحدوث الاقتصاد المحموم Overheated Economy، في حين أن الكثير من الضرائب يمكن أن تخنق النمو.
- العوامل الخارجية External Factors
تُؤثر العوامل الخارجية مثل الكوارث الطبيعية أو النزاعات أو التغييرات في سياسات التجارة العالمية، ويمكن أن تسبب أيضًا دورات الأعمال، ويمكن للكوارث الطبيعية أن تعطل الإنتاج والتوزيع، مما يؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي، وبالإضافة إلى ذلك يمكن أن تؤدي النزاعات إلى زيادة الإنفاق الحكومي والتضخم وانخفاض الاستثمار الأجنبي، ويمكن أن تؤدي التغييرات في سياسات التجارة العالمية إلى تغييرات في الطلب على السلع والخدمات، مما يؤثر على النشاط الاقتصادي.
- العوامل النفسية External Factors
تلعب معنويات المستهلكين وأصحاب الشركات دورًا في التسبب في دورات الأعمال، فعند فترات التفاؤل، فمن المرجح أن ينفقوا ويستثمروا، مما يؤدي إلى التوسع بالنهاية، وعلى العكس من ذلك، عندما يكونون متشائمين، فإنهم أقل عرضة للإنفاق والاستثمار، مما يؤدي إلى الركود أو الكساد.
تأثيرات دورات الأعمال على الاقتصاد
يُعد فهم تأثير دورات الأعمال أمرًا مهمًا للمستثمرين وصناع السياسات وقادة الأعمال لأنه يساعدهم على توقع التغيرات الاقتصادية والاستجابة لها، ويمكن أن يكون تأثير دورات الأعمال واسع النطاق ويمكن أن يؤثر على مختلف الأفراد والشركات بطرق مختلفة.
- التأثير على معدلات التوظيف والدخل
عادة ما ترتفع العمالة وتزداد الأجور أثناء فترات الانتعاش، مما يؤدي إلى زيادة الدخل المتاح للمستهلكين وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي، مما يحفز المزيد من النمو الاقتصادي، فعلى العكس من ذلك، أثناء فترات الركود، تنخفض العمالة عادةً وتنخفض الأجور، مما يؤدي إلى انخفاض الدخل المتاح للمستهلكين، وبدوره ينخفض الإنفاق الاستهلاكي، مما يؤدي إلى زيادة تباطؤ النمو الاقتصادي.
- التأثير على أسعار الفائدة
تميل أسعار الفائدة أثناء فترات الانتعاش للارتفاع مع نمو الاقتصاد وزيادة التضخم، وهذا يمكن أن يجعل الاقتراض أكثر تكلفة، مما يبطئ النمو الاقتصادي، وتميل أسعار الفائدة إلى الانخفاض إذ يتقلص الاقتصاد ويتناقص التضخم خلال فترات الركود، ويمكن أن يجعل الاقتراض أرخص، مما يمكن أن يحفز النمو الاقتصادي.
- التأثيرات على سوق الأوراق المالية
تميل أسعار الأسهم أثناء فترات الانتعاش للارتفاع إذ تكسب الشركات أرباحًا أعلى ويكون المستثمرون أكثر تفاؤلًا بشأن المستقبل، على العكس من ذلك، تميل أسعار الأسهم إلى الانخفاض إذ تكسب الشركات أرباحًا أقل ويكون المستثمرون أكثر تشاؤمًا بشأن المستقبل خلال فترات الركود.
- التأثيرات على إنفاق المستهلك
يزداد إنفاق المستهلك أثناء فترات الانتعاش تزامنًا مع زيادة الدخل المتاح للناس وزيادة تفاؤلهم بالمستقبل، ويحفز هذا الإنفاق الاستهلاكي المتزايد النمو الاقتصادي، على العكس من ذلك، أثناء فترات الركود، ينخفض إنفاق المستهلك عادةً لأن الناس لديهم دخل أقل ويمكن إنفاقهم أكثر وتشاؤمًا بشأن المستقبل، ويمكن أن يؤدي هذا الإنفاق الاستهلاكي المنخفض إلى زيادة تباطؤ النمو الاقتصادي.
- التأثير على أسعار الصرف
تعرف أسعار الصرف بأنها أسعار التي يمكن بها تبادل عملة بأخرى، ويمكن أن تتأثر أسعار الصرف بدورات الأعمال، لأنه عند ارتفاع التضخم ستنخفض قيمة العملة وبالتالي تؤثر على سعر الصرف بلد ما على سعر صادراته ووارداته، لأنه يمكن أن يؤدي انخفاض سعر الصرف في بلد ما إلى جعل صادراتها أرخص وأكثر قدرة على المنافسة، مما يؤدي إلى زيادة النشاط الاقتصادي، وعلى العكس من ذلك، يمكن أن يجعل زيادة سعر صرف في بلد ما صادراتها أكثر تكلفة وأقل تنافسية، مما يؤدي إلى انخفاض في النشاط الاقتصادي، وبالتالي ستتأثر التجارة والاستثمار الدوليين.
الخاتمة
تعرفنا على على مفهوم دورة الأعمال وكيف ومراحلها مثل التوسع والركود والذور والكساد، وبالإضافة إلى ذلك اطلعنا على أسباب وتأثيرات دورة الأعمال فالأسباب كانت مثل العوامل النقدية والعوامل المالية والعوامل الخارجية، وأما تأثيراتها الاقتصادية فهي التأثير على معدلات التوظيف والدخل والتأثير على أسعار الفائدة.