يعد الاقتصاد الكلي أحد الفروع الرئيسية في علم الاقتصاد، حيث يركز على دراسة الاقتصاد الوطني ككل بدلاً من التركيز على الوحدات الاقتصادية الفردية. من أبرز المفاهيم التي يتناولها الاقتصاد الكلي هي مفاهيم العرض والطلب، والتي تلعب دورًا محوريًا في تحديد أسعار السلع والخدمات، وتوجيه النشاط الاقتصادي. كما أن مرونة العرض والطلب تعتبر من العوامل المؤثرة في استجابة الأسواق للتغيرات في الأسعار والعوامل الأخرى.
لنستعرض هذه المفاهيم بعمق، مع توضيح كيفية تأثيرها على الاقتصاد بشكل عام.
ما هو الطلب Demand في الاقتصاد الكلي؟
يُعرف الطلب Demand بأنه الكميّة التي يُريد المستهلكين استهلاكُها من المنتجات والخدمات أثناء مدة زمنية محددة بالتزامن مع ثباتِ مدى تأثير العوامل المؤثرة في الاستهلاك. تُدفع المنفعة الطلب على المنتجات والخدمات؛ وهي المتعة أو الرضا الذي يشعر به المستهلك عند استهلاك خدمة أو سلعة ما.
تمثّل المنفعة الكليّة Total Utility دالة كميات الخدمات والسلع المستهلكة، ولكن الأهم من ذلك هو مفهوم المنفعة الحدّية Marginal Utility؛ وهي المنفعة الإضافية التي يحصل عليها المستهلك عند استهلاك وحدة إضافيّة من خدمة أو سلعة ما، مما يدعم قانون تناقص المنفعة الحديّة، لأنه من المفترض أنّ تكون المنفعة الحدّية متناقصة باستمرار. يُعظم المستهلكون منفعتهم عن طريق زيادة الاستهلاك حتى الوصول إلى النقطة التي تكون فيها المنفعة الحدّية مساوية للصفر.
يكون الاستهلاك نتيجة ثانوية للدخل المتاح Disposable Income، لأنه يمثّل إجمالي الدخل مطروحًا منه صافي الضرائب، أي عندما يكون الدخل المتاح مساويًا مجموع الاستهلاك والإدخار.
يوجد مجموعة مختلفة من المعادلات التي يمكن أن تعبّر عن الاستهلاك الفردي، ويتحدد الميل الحدّي للفرد للاستهلاك Marginal Propensity To Consume عن طريق الدخل، لأن الميل الحدّي يساوي التغيّر في الاستهلاك مقسومًا على التغيّر في الدخل المتاح. بطريقة مماثلة، يقاس الميل الحدّي للفرد للادخار بالتغيّر في الإدخار مقسومًا على التغيّر في الدخل المتاح. بالتالي يجب أن يساوي مجموع الميل الحدّي للاستهلاك والميل الحدّي للإدخار الواحد الصحيح في أي وقت.
ما الذي يحدد معدل الاستهلاك والادخار؟
تؤدي الثروة دورًا مهمًا في تحديد معدل الاستهلاك والإدخار؛ لأن زيادة الثروة سيؤدي إلى زيادة الاستهلاك، كما تلعب توقعات المستهلك دورًا كبيرًا في الاستهلاك، فإذا توقّع المستهلك سوء الأوضاع الاقتصاديّة سيخفّض من إنفاقه ويزيد نسبة إدخاره.
يمثّل دين القطاع العائلي عاملًا ضروريًا، لأنه يمثّل استهلاكًا مستقبليًا. تؤثر التحويلات والضرائب أيضاً على الاستهلاك، فكلما زادت الضرائب المفروضة على الشخص كلما قلّ استهلاكه، في حين أنّ زيادة دفعات التحويلات من الحكومة تزيد من الاستهلاك.
يشمل إجمالي الطلب على الخدمات والسلع في الاقتصاد على مجموع طلب المستهلكين والإنفاق الحكومي والإنفاق الاستثماري وصافي الصادرات، ويميل منحنى الطلب الكلي نحو الأسفل باعتبار أنّ الطلب يقّل بارتفاع الأسعار.
العوامل المؤثر على الطلب
يتأثر الطلب بعدة عوامل رئيسية، حيث تلعب ثروة المستهلك دورًا حاسمًا؛ فمع زيادة الثروة، يزداد الطلب على السلع، ولكن يتباطأ هذا الطلب عند مستويات ثروة مرتفعة، حيث يُخصص الفائض للادخار. كما أن معدل الفائدة له تأثير واضح؛ فارتفاعه يعني تثبيط الاستهلاك، بينما يؤدي التفاؤل الاقتصادي إلى زيادة الإنفاق. من جهة أخرى، يتسبب التضخم المتوقع في تدهور قيمة الأموال، مما يدفع المستهلكين للشراء الآن تفاديًا لتآكل قدرتهم الشرائية في المستقبل. كما أن ارتفاع دخل الأفراد في الخارج يزيد من استهلاكهم للسلع المستوردة، في حين أن ارتفاع قيمة صرف العملة يشجع على الإنفاق على الواردات نظرًا لانخفاض أسعارها.
ما هو العرض في الاقتصاد الكلي؟
يُقصد بالعرض Supply إجمالي الخدمات والسلع المُنتجة في الاقتصاد عند مستوى سعرٍ محدد. هناك مجموعة متنوعة من توليفات الخدمات والسلع التي يمكن إنتاجها في اقتصادٍ ما، ويوضّح منحنى احتمالات الإنتاج الحدَّ الأقصى من الناتج الذي يمكن الحصول عليه في الاقتصاد بافتراض تحقيق العمالة الكاملة والاستخدام التام للموارد؛ أي هو رسم بياني يظهر مجموعات كميات اثنين من السلع الرئيسية التي من الممكن إنتاجها باستعمال إجمالي المقدار الثابت لكل عنصر إنتاج. يعتمد الإنتاج الكامل على استعمال الموارد بأكثر كفاءة ممكنة.
تُعظم الشركات أرباحها عن طريق الإنتاج للوصول إلى النقطة التي تكون فيها الإيرادات الحدّية للوحدة الإضافيّة المُباعة تساوي التكلفة الحديّة لإنتاجها، فعندما تريد شركة البدء باستثمارٍ ما، يجب أن يكون معدل العائد الفعلي المتوقع مساويًا أو أكبر من التكلفة الفعلية للاستثمار، ولذلك تُثبط تكاليف الفائدة المرتفعة من النشاط الاستثماري.
العوامل المؤثرة على العرض
يتأثر العرض بعدة عوامل رئيسية، حيث يلعب توافر الموارد دورًا حاسمًا؛ فزيادة الموارد تتيح زيادة عرض السلع والخدمات، بينما تؤدي التطورات التكنولوجية وتحسين الإنتاجية إلى إمكانية إنتاج المزيد من السلع بأسعار أقل. كما يمكن أن تؤدي تغييرات كفاءة استخدام الموارد إلى زيادة الإنتاج دون الحاجة لتوسيع قاعدة الموارد.
بالإضافة إلى ذلك، فإن انخفاض أسعار الموارد يمكن أن يشجع الموردين على زيادة إنتاجهم بنفس التكلفة، بينما تؤثر معدلات التضخم على تكلفة الإنتاج؛ فارتفاعها يعيق الإنتاج، في حين أن انخفاضها يسهل زيادة العرض. كما تلعب صدمات العرض، سواء كانت مواتية أو غير مواتية، دورًا في تحديد ربحية الإنتاج، حيث يمكن أن تحد الصدمات غير المواتية مثل الحظر من قدرة الشركات على الإنتاج. في حالة توازن السوق، حيث يتقاطع منحنى العرض مع منحنى الطلب، يسعى المستهلكون والمنتجون إلى تعظيم منفعتهم؛ فالمستهلكون يعظمون منفعتهم من خلال استهلاك سلع ترفع من منفعتهم الإجمالية، بينما يسعى المنتجون إلى تحقيق إيرادات أعلى من تكاليفهم.
ما هي المرونة السعرية في الاقتصاد الكلي؟
تبين المرونة Elasticity الدرجة التي تستجيب فيها منحنيات العرض والطلب إلى التغيّرات في السعر، وبطريقة رياضية أي أن تساوي المرونة النسبة المئوية للتغيّر في الكمية منسوبة إلى النسبة المئوية للتغيّر في السعر، وهذا يدل على أنّ الخدمات والسلع ذات المرونة العالية ستشهد تغيراتٍ كبيرة في العرض أو الطلب كنتيجة للتغيّرات الصغيرة جداً في السعر.
يمكن أن تتأثر المرونة بعدد من العوامل، ومن ضمنها: توافر البدائل Substitutes أي تزداد المرونة كلما ازدادت البدائل ومقدار الدخل المتوفر والوقت.
تُعد المرونة فكرة بديهية إلى حدٍّ ما، ولكن لها العديد من التطبيقات المهمة، على سبيل المثال، سيُسدد الأفراد أي سعر مقابل أدوية سوف تنقذ حياتهم، ولكن يمكن لهم أن يغيّروا نوع المياه الغازيّة التي يستخدمونها بسبب تغيّرٍ بسيطٍ جداً في السعر. تلعب المرونة دورًا رئيسيًا في تحديد أثر تغيّر الأسعار على إيرادات الأعمال وتحليل العبء الضريبي آثار الإعلان وفوائد التجارة.
الخاتمة
تعرفنا على على العرض والطلب والمرونة إذ يُعبر كل منهما عن شيء مختلف، فالعرض يكون إجمالي الخدمات والسلع المُنتجة في الاقتصاد عند مستوى سعرٍ محدد، أما الطلب مجموع الكميّة المراد استهلاكُها من قِبل المستهلكين للبضائع والخدمات، والمرونة تكون الدرجة التي تستجيب فيها منحنيات العرض والطلب إلى التغيّرات في السعر، فالعرض والطلب غير مرنين إذا كانت نسبة التغير في الكمية أقل من نسبة التغير في السعر وتكون العلاقة بين السعر والإيراد الكلي علاقة طردية. يُعد الطلب والعرض ذو وحدة مرنة إذا كانت نسبة التغير في الكمية تساوي نسبة التغير في السعر.