تُعرف الأنظمة الاقتصادية Economic System بأنها مجموعة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي تحكم سير الحياة الاقتصادية في مجتمع معين وفي زمن معين. وفي عبارة أخرى يُعرف النظام الاقتصادي بأنه نظام للإنتاج وتخصيص الموارد وتبادل وتوزيع السلع والخدمات في مجتمع ما، والتي تُستخدم الموارد الاقتصادية بموجبها سواء المحدودة أو غير محدودة بكفاءة من أجل إشباع حاجات الفرد المتعددة لتحقيق الرفاهية.
هناك بعض الأهداف الرئيسية ضمن إطار دراسة الاقتصاد الكلي للأنظمة الاقتصادية والتي تضم عمومًا النمو الاقتصادي، والعمالة الكاملة، والكفاءة الاقتصادية أي تحقيق أقصى قدر من الناتج باستعمال الموارد المتاحة، استقرار الأسعار وتوازن الميزان التجاري، ويضيف بعض الاقتصاديين إلى ذلك الحرية الاقتصادية كهدف رئيسي؛ ويُقصد بها حق الفرد في حرية اختيار العمل والاستهلاك والاستثمار تبعًا لميوله ورغباته.
فمثلًا، هناك مجموعة من المجتمعات تعتمد عليها الحكومات أو الأنظمة السياسية على إدارة الموارد المتاحة وتشغيلها، والرقابة على جودة هذه الخدمات.
وهناك مجتمعات أخرى تعتمد على السوق الحر ورواد الأعمال وأصحاب المشاريع المختلفة في استثمار هذه الموارد، في حين تبقى الأنظمة السياسية والحكومات مراقبة لحركة الاقتصاد حتى تضمن عدم مخالفة القوانين المختلفة.
أهداف النظام الاقتصادي
تكون أهداف النظام الاقتصادي في العمل على حل المشكلة الاقتصادية وهي ندرة الموارد الاقتصادية وتعدد الحاجات البشرية، لذلك فإن النظام الاقتصادي يرتبط بالمشكلة الاقتصادية التي تواجه مجتمع محدد. كما أشرنا في تعريف النظام الاقتصادي بأنه يعتمد على الموارد وكيفية إدارتها، واعتمادًا على ذلك ظهرت الأنواع المتنوعة للأنظمة الاقتصادية.
فكل مجتمع يواجه تحديات معينة مثل:
- تعدد الموارد الاقتصادية المتاحة.
- ندرة الموارد أو زيادتها.
- العادات الاجتماعية.
- التعداد السكاني.
كل هذه التحديات تدفع المجتمع إلى نظام اقتصادي محدد يتأثرًا بجميع هذه العوامل، وخصوصًا عامل الموارد، لأن الموارد هي لُب أي نظام اقتصادي كما أشرنا سابقًا.
أنواع الأنظمة الاقتصادية
هناك مجموعة من الطرق لتصنيف الأنظمة الاقتصادية المختلفة، ولكنها تختلف غالبًا في المسميات، فهناك مثلًا من يطلق على اقتصاد السوق بالاقتصاد الرأسمالي.
ولكن توجد أربع أنواع أساسية للأنظمة الاقتصادية، وسنتعرف عليها بالتفصيل:
- الاقتصاد التقليدي Traditional Economy
يُعرف الاقتصاد التقليدي بأنه الاقتصاد الذي يعتمد على العادات والموروثات المتعلقة بمجتمع محدد، أو المجتمع الذي يرتبط بالموقع الجغرافي كثيرًا.
يُعد الاقتصاد التقليدي أول وأقدم نظام اقتصادي عرفته البشرية فهو غالبًا يعتمد على:
- الزراعة.
- الصيد.
- الضرائب والرسوم.
جميع هذه العوامل تحكم الاقتصاد التقليدي تتعلق بالأرض والموقع الجغرافي، لهذا نجد هذا الاقتصاد منتشر في الدول الأفريقية ودول أمريكا الجنوبية وآسيا.
مميزات الاقتصاد التقليدي
مازال الاقتصاد التقليدي له مكانه في هذا العصر، وذلك لأن به عدد من المميزات مثل:
- بساطة القوانين فهي ليست معقدة في حساب الرسوم أو الضرائب لأن عملية الإنتاج والتوزيع بسيطة.
- يتساوى الأشخاص في منظومة الاقتصاد التقليدي ولا يوجد فوارق كثيرة بين أي شخص، لأن الموارد وطريقة الربح والعمل واضحة ومحددة للجميع.
- يعلم الأفراد سواء كان مزارع أو مُراقب أو صياد حقوقه وواجباته جيدًا، وفي حال حدث خلل في هذا النظام سيكون السبب واضح للجميع، وهو أن شخص محدد قصر في أداء مهامه عمدًا أو من غير عمد.
- ثبات النظام واستدامته موازنة بأي نظام اقتصادي آخر، فهو يعتمد على موارد ثابتة، بعكس أنواع أخرى من الاقتصاد التي تعتمد على حركة السوق وتقلباته أو على تكنولوجيا محددة.
عيوب الاقتصاد التقليدي
بالرغم من مكانة الاقتصاد التقليدي إلا أنه يواجه بعض التحديات والمشكلات التي عليه التغلب عليها مثل:
- احتمال فقدان بعض الموارد بسبب التأثير المناخي، فمثلًا ربما تحدث مشكلة في درجات الحرارة ويتوقف المطر في بعض المناطق مما يؤدي إلى نقص مورد محدد.
- العرضة للتحكم من قبل القيادة السياسية وخصوصًا إذا كان هذا النظام يعتمد كثيرًا على القوانين وأنظمة المراقبة لضبط الأسواق وعمليات التبادل التجاري.
- العرضة للأنظمة الاقتصادية الأخرى، مثل، استغلال الأنظمة الراسمالية للموارد الطبيعية بطريقة خاطئ.
العيوب الموجودة في الاقتصاد التقليدي يمكن تفاديها عن طريق العديد من الإجراءات مثل:
- الاعتماد على أنواع الاقتصاد الأخرى لتنويع مصادر الدخل للدولة.
- بناء نظام لتخزين أهم موارد الاقتصاد في حالة حدوث تغييرات مناخية أو اقتصادية.
- العمل على بناء اتحادات لأصحاب الحرف والمهن لمواجهة أي فساد أو تقصير.
- الاقتصاد الموجه Command Economy
يعتمد الاقتصاد الموجه على قوة مركزية مثل الحكومة في إدارة جميع الموارد واتخاذ كل القرارات الاقتصادية ووضع الخطط المستقبلية.
تحدد وتتحكم القوة المركزية في كل شيء، وهذه مجموعة من الأمور التي تتحكم بها:
- وضع الخطط الاقتصادية سواء طويلة أو قصيرة الأجل والتي يُعتمد عليها في توزيع كل المواد والمصادر لتنفيذها.
- توزيع الأدوار على الأفراد والشركات بحسب للموارد المتاحة والخطة الموضوعة، ومحاولة استثمار كل الأشخاص في المنظومة أو المجتمع بأفضل طريقة ممكنة.
- وضع القوة المركزية كل القوانين وأنظمة الثواب والعقاب، كما أنها تصبح المحرك السياسي أيضًا في المجتمع وفي التعامل مع المنظمات والقوى الخارجية.
- تحديد إحتياجات الأفراد في المجتمع، وترتيبها بنظام محدد حتى تكون الأولوية للمشكلات والطلبات الملحة، مع ضمان حصول كل فرد على حقه من الرعاية والاحتياجات الأساسية.
- تمتلك جميع القطاعات الرئيسية المهمة مثل، المواصلات والأراضي والطاقة والمناجم والمحاجر وغيرها من القطاعات، بما فيها الشركات والمصانع العاملة كذلك، حتى تكون هي المتحكم الوحيد بدون أي منافس.
يُعد هذا النظام بمفهومه الحالي وليدً عن الفكر الشيوعي السياسي، لهذا أكبر مثال على هذا الاقتصاد هو الصين وروسيا، وعلى الرغم أنهم في العشرين سنة الأخيرة حاولوا تحرير الاقتصاد، وتحويل جزء منه إلى اقتصاد مختلط.
مميزات الاقتصاد الموجه
لا يملك نظام الاقتصاد الموجه مميزات كبيرة، فهي تقتصر على:
- التوسع الرهيب وبدء المشروعات في وقت قصير جدًا، لأنه لا توجد أي عقبات، فهناك جهة واحدة فقط هي التي تتحكم في كل شيء، لهذا لا يوجد روتين أو عقبات.
- التعاون والتوحد بين كل القطاعات لتنفيذ أهداف معينة تساعد على تلبية الاحتياجات سريًعا لجميع أعضاء هذا النظام الاقتصادي.
- صرامة القوانين وسهولة الرقابة في أكثر من قطاع في الاقتصاد.
ترتكز قوة هذا النظام في التنفيذ، فإن وضع خطة جيدة وإذا نُفذت بطريقة صحيحة فيمكن أن تتقدم الدولة بخطى كبيرة، مثلما حدث مع دولة الصين، وبالرغم من معاناة الشعب الصيني وعدم وجود عدالة في توزيع الثروات، إلا أن الصين تصعد بسرعة كبيرة في الكثير من المجالات، وأصبحت من أكبر قوى العالم الاقتصادية في مدة قصيرة موازنةً بما كانت عليه في القرن الماضي.
عيوب الاقتصاد الموجه
أثبت الاقتصاد الموجه على مر التاريخ أنه مليئ بالمشاكل والعيوب أهمها:
- يؤدي التخطيط السيء إلى كوارث، فكل شيء في المنظومة يعتمد على الخطة، لهذا تدارك المشكلات يكون صعب جدًا.
- انتشار الفساد بسبب عدم وجود نظام لمراقبة الحكومة فهي التي تتحكم في جميع الموارد وتضع القوانين أيضًا.
- يلجأ الكثير من الأشخاص إلى الخروج على القوانين بسبب صرامة القوانين وعدم وجود سوق يسمح بتنوع المنتجات ووفرتها فيما يُعرف في الاقتصاد باسم تجارة السوق السوداء.
- قلة الإبداع لأن كل مؤسسة وشركة ملتزمة بخطة محددة.
- عدم تلبية احتياجات القطاعات الكبيرة من الأفراد في هذا الاقتصاد، لأن تحديد الأولويات يعتمد على الحكومة فقط.
بسبب هذا البطء في البحث والتطوير لجأت الدول الذي تعتمد على هذا النوع من الاقتصاد إلى التنوع.
- اقتصاد السوق Market Economy
يعتمد اقتصاد السوق على العرض والطلب، فتعتمد عملية الإنتاج على الموارد المتوفرة وما يحتاجه الناس والمجتمع من خدمات ومنتجات. يُسمى هذا الاقتصاد أيضًا بالاقتصاد الرأسمالي القائم عمومًا على أساس المصلحة، فتسعى جميع الأطراف للحصول على أقصى فائدة بأقل تكلفة، على سبيل المثال، يرغب أصحاب الشركات في الحصول على أمهر الأيادي العاملة ومصادر الإنتاج بأقل تكلفة، ويريدون أيضًا أن يبيعوا خدماتهم بأعلى سعر ممكن، ويرغب المشترين بالحصول على أفضل المنتجات بأقل تكلفة ممكنة، ويرغب أصحاب المهارات بأن يبيعوا مهاراتهم للشركات التي ستدفع لهم أعلى أجر ممكن.
وسط كل هذه الرغبات يبرز دور الحكومات بالمراقبة والحماية، وضمان أن كل عنصر من عناصر هذا الاقتصاد يحصل على فرصة للمنافسة الشريفة، وأن يتوفر كل ما يحتاج إليه في السوق، ويطلق ذلك العنان للشركات ورجال الأعمال بالإبداع والتنافس بحرية مطلقة، وتسمح لهم أيضًا بالعمل في أي مجال يرغبون فيه.
مميزات اقتصاد السوق
هذا النوع من الاقتصاد له مميزات وخصائص عديدة، ويمكن أن نُلخص أهمها بمجموعة من النقاط التالية:
- بسبب الاعتماد على قانون العرض والطلب، سنجد أن معظم المنتجات التي يحتاج إليها المجتمع متوفرة وبكثرة، والتي تُنتج بأفضل جودة ممكنة حتى تكسب الشركات رضاء العملاء.
- تشجع البيئة الخصبة التي يوفرها اقتصاد السوق على المنافسة، ويشجع هذا على الإبداع والتطوير المستمر وبالتالي ظهور تكنولوجيا وأفكار جديدة تساهم الإنسان في حياته اليومية.
- يشجع السوق المفتوح أصحاب رؤوس الأموال على الاستثمار مما يساهم على خلق فرص عمل جديدة واستثمار جميع الموارد المتاحة في أي مجتمع بأفضل الطرق.
عيوب اقتصاد السوق
بالرغم من المميزات التي ذكرناها سابقًا، إلا أن اقتصاد السوق به العديد من العيوب التي تضر بمصلحة الفرد والمجتمع ككل وهي كالآتي:
- كل شخص يجب أن ينافس ويسعى لمصلحته ويطور من نفسه، ولكن هناك أشخاص لا يمكنهم فعل ذلك بسبب الإعاقة الجسدية أو المرض، فما الذي عليهم فعله ليكون لهم وجود في المجتمع، كما أن يحتاجون هؤلاء إلى عناية ورعاية، وهذا يخلق نوع من الظلم في المجتمع.
- بسبب اعتماد الأفراد على قوانين السوق للحصول على دخل فهم يضطرون إلى العمل فوق طاقتهم، وكما يضطرون إلى تقليل نفقاتهم بجميع الطرق، والذي يؤدي إلى عواقب وخيمة.
- احتكار الشركات والمؤسسات الكبيرة للسوق خصوصًا عند غياب رقابة الحكومة الصارمة أو فساد جهاز رقابة الأسواق نفسه وتعاونه مع هذه الشركات.
- إحدى أصعب هذه العواقب هي عمالة الأطفال، والتي لم تظهر علنًا في التاريخ إلا في الأنظمة الرأسمالية، التي لا يعني لها أي شيء إلا المال.
- ظهور فجوة في المجتمع بسبب الازدياد الفاحش في ثروات الأغنياء على حساب الطبقات الفقيرة والعاملة، وهذا بسبب عدم وجود نظام عادل في توزيع الثروات.
فلهذا إن دراسة تاريخ الرأسمالية أو قرأءة أي كتاب عنها سنجد أنها مليئة بإحتجاجات العمال والفئات المضطهدة نتيجة عدم وجود أي عدالة إجتماعية، وبسبب عدم وضع قوانين تحميهم من ظلم أصحاب العمل، فيمكن لأي صاحب شركة أن يطرد العامل بأي وقت، أو يقلل المرتبات بدون حسيب أو رقيب عليه، وهذا ما دفع الدول بسبب الحراك السياسي المتمثل في نقابات العمال إلى اللجوء إلى نوع آخر من أنواع الاقتصاد.
- الاقتصاد المختلط
يُعرف الاقتصاد المختلط Mixed Economy بأنه مزيج بين ثلاثة أنواع من الأنظمة الاقتصادية التي ذكرناها سابقًا وهي اقتصاد السوق واقتصاد الموجه واقتصاد التقليدي، وهذا من أجل محاولة التغلب على عيوب كل نظام، وفي نفس الوقت الاستفادة من مميزاته.
لهذا ستجد في نظام الاقتصاد المختلط بأن الحكومات تدير الموارد اعتمادًا على الثروات الطبيعية وعادات وتقاليد المجتمع. كما أنها تضع القوانين وتراقب السوق وتضع ضمانات لكل أفراد المجتمع للحفاظ على حقوقهم في الرعاية والتعليم والصحة وحمايتهم في حال وجود أي كوارث في المجتمع. بالإضافة إلى أمها تعتمد على نظام السوق الحر وتطبيق قاعدة العرض والطلب حتى تترك الشركات المختلفة تتطور وتتنافس بحرية.
ينتشر النظام المختلط الآن في جميع أنحاء العالم خصوصًا في الدول المتقدمة، ولا يوجد عيب في هذا النظام إلا أنه يعتمد على الحكومات كثيرًا. فما زال هناك حكومات تميل إلى الاقتصاد الموجه مثل الصين، وهناك حكومات أُخرى تميل أكثر إلى اقتصاد السوق والرأسمالية مثل أمريكا. تظهر في هذه الحالة عيوب النظام الاقتصادي الغالب، ولا يوجد ضمان إلا ثقافة الشعب ومقاومته للحكومات، مثلما تحاول هونج كونج أن تفعله حاليًا مع الحكومة الصينية التي تتبع لها.
يعارض بعض الباحثين مفهوم كفاءة السوق Market Efficiency والفكرة بأنّ الأسواق الحرة تعتمد آلية تخصيص الموارد، خصوصًا عندما ترى نظريات التوزيع العادل للدخل بأنه من الضروري توزيع حصص متساوية على المشاركين في اقتصادٍ ما وعدم التعويض عن الإنتاجية لشركة أو لفرد ما.
تعد المساواة وسيلة متطرفة للتعامل مع الاختلاف في الاقتصاديات، إلا أن أوجه الاختلاف هذه مهمة، فهي تنشأ من الاختلافات في رأس المال البشري والتفضيلات الشخصية والتمايز والحظ والقوة السوقية، عمومًا، فإن الاقتصاديين الأكثر تمسكًا بفكرة تحرير السوق Laissez Faire يعارضون التمايز لأنه يعرقل العمل الفعال للاقتصاد، وتعد في هذا السياق نسبة جيني Gini Ratio مقياسًا شائعًا للاختلاف الاقتصادي كونها تقيس الاختلاف في توزيع الدخل ضمن اقتصادٍ ما على وجه الخصوص.
لا يزال هناك اهتمام أكاديمي بالاقتصاد الموجّه Command Economy والاقتصاد الشيوعي بالإضافة إلى اهتمام متزايد بالاقتصادات المختلطة Mixed Economy أي اقتصاد يحكمه مزيج من التخطيط الحكومي واقتصاد السوق، إلا أنّ أغلب النظريات الاقتصادية تركز على أنظمة السوق التي تتميز بالملكية الخاصة، إذ يُشكل تعظيم الربح والسعادة الشخصية الحافز الرئيسي للنشاط الاقتصادي للمشاركين باقتصاد ما.
الخاتمة
تعرفنا على الأنظمة الاقتصادية كما اطلعنا على أنواع الأنظمة الاقتصادية، وتعمقنا في توضيح كل منهم.