يُستخدم مصطلح البند غير النقدي Non cash item في مجالين مختلفين. في القطاع المصرفي، يُشير إلى أداة قابلة للتداول مثل الشيك أو الحوالة البنكية التي تُودع في الحساب ولكن لا تُسجل إلا بعد المصادقة عليها في حساب المُصدر. أما في المحاسبة، فيُشير إلى المصاريف المُدرجة في قائمة الدخل، مثل الاستهلاك الرأسمالي والخسائر والمكاسب الاستثمارية، التي لا تتضمن مدفوعات نقدية.
تعبّر البنود غير النقدية في مجال المحاسبة المالية عن فئة من المعاملات التي تؤثر على البيانات المالية للشركة دون أن تنطوي على تبادل النقد الفعلي. تعد هذه البنود ضرورية لفهم شامل للصحة المالية للشركة، لأنها توفر نظرة ثاقبة للواقع الاقتصادي وراء الأرقام الموجودة في الميزانية العمومية وبيان الدخل وبيان التدفق النقدي. في هذه المقالة التفصيلية، سوف نتعمق في طبيعة البنود غير النقدية، وتأثيرها على إعداد التقارير المالية، ودورها في الكشف عن الوضع المالي الحقيقي للشركة.
تعريف البنود غير النقدية في محاسبة الشركات
البند غير النقدي في محاسبة الشركات يشير إلى أي عنصر يتم تسجيله في البيانات المالية للشركة والذي لا يتضمن تدفقات نقدية فعلية داخل أو خارج الشركة، وتُعد هذه المعاملات جزءًا لا يتجزأ من المحاسبة على أساس الاستحقاق. يُعترف بالإيرادات والمصروفات عند اكتسابها أو تكبدها، بغض النظر عن وقت استلام النقد المقابل أو دفعه. تشمل الأنواع الأكثر تداولًا للبنود غير النقدية ما يلي:
- الاستهلاك والإطفاء
يمثل الاستهلاك الانخفاض التدريجي في قيمة الأصول الملموسة، مثل، الآلات أو المباني، مع مرور الوقت. من ناحية أخرى، ينطبق الإطفاء على حساب الأصول غير الملموسة، مثل، براءات الاختراع أو حقوق النشر. يُعد كل من الاستهلاك والإطفاء مصاريف غير نقدية توزع تكلفة الأصول على مدى عمرها الإنتاجي.
على سبيل المثال، لنفترض أن هناك شركة تصنيع A أنفقت 200 ألف دولار في شراء معدات عالية التقنية لزيادة إنتاجها. من المتوقع أن تبقى الماكينات الجديدة لمدة 10 سنوات، لذلك نصح محاسبو الشركة A بتوزيع التكلفة على جميع فترة عمرها الإنتاجي عوضًا عن تسجيل تكلفتها مرة واحدة بمبلغ كبير. وضعوا في حسبانهم أن المعدات سيكون لها قيمة خردة salvage value، وأن قيمتها بعد 10 سنوات ستكون 30 ألف دولار.
يسعى الاستهلاك لمطابقة الأرباح مع المصروفات المتعلقة بها، وبالتالي فإن قسمة 170 ألف دولار على 10 سنوات يُبين أن المعدات المُشتراة ستظهر كمصروف بند غير نقدي بقيمة 17 ألف دولار سنويًا على مدار العقد التالي بأكمله. بالرغم من ذلك، لم تُدفع أي مبالغ نقدية فعلية عند تسجيل هذه المصروفات السنوية، لذلك، هي تظهر في قائمة الدخل كعبء غير نقدي.
- تسوية القيمة العادلة
تتغير القيمة العادلة للأصول أو الالتزامات في بعض الحالات، مما يؤدي إلى تعديلات غير نقدية في البيانات المالية. على سبيل المثال، يمكن أن تؤثر التغيرات في القيمة العادلة للاستثمارات أو الأدوات المشتقة على القيم المعلنة في الميزانية العمومية.
- برامج منح الأسهم كمكافآت
تستخدم الشركات خيارات الأسهم أو منح الأسهم كوسيلة لتعويض الموظفين، وتُعترف بالقيمة العادلة لهذه الجوائز كمصروف في بيان الدخل، رغم عدم حدوث تدفقات نقدية عند منحها.
- خسائر انخفاض القيمة Impairment Losses
عندما تتجاوز القيمة الدفترية للأصل قيمته القابلة للاسترداد، ويُعترف برسوم انخفاض القيمة، ويعكس هذا البند غير النقدي التخفيض في قيمة الأصل في الميزانية العمومية لتتوافق مع قيمته الفعلية.
فمثلًا إذا كانت شركة تمتلك مبنى بقيمة دفترية 1,000,000 دولار، ونتيجة لتغيرات في السوق انخفضت قيمته العادلة إلى 700,000 دولار مع تكاليف بيع متوقعة بقيمة 50,000 دولار، وقيمة الاستخدام تقدر بـ 650,000 دولار، فإن القيمة القابلة للاسترداد هي 650,000 دولار (الأعلى بين 650,000 و 650,000). إذاً، يجب تسجيل خسارة انخفاض قيمة بمقدار 350,000 دولار (1,000,000 – 650,000) في البيانات المالية.
- مصروفات الفوائد غير المدفوعة
تُسجل الشركات أحيانًا مصروفات الفوائد على القروض المستحقة الدفع في نهاية الفترة المالية، حتى لو لم يتمّ دفعها فعليًا بعد. تُعدّ هذه المصروفات التزامًا على الشركة يُؤثّر على أرباحها الصافية دون تغيير رصيدها النقدي الحالي.
مثال: قرض بنكي بقيمة 1 مليون دولار بفائدة سنوية 5%. في نهاية السنة المالية، تُسجل الشركة 50,000 دولار كمصروف فوائد، ممّا يُقلّل من أرباحها الصافية، حتى لو لم يتمّ سداد القرض أو دفع الفائدة المستحقة بعد.
- تغيرات قيمة المخزون
تُعدّ التغييرات في قيمة المخزون نتيجة لعوامل مثل تغيرات الأسعار أو تلف المنتجات بنودًا غير نقدية تؤثّر على أرباح الشركة. يتمّ تسجيل هذه التغييرات كمصروفات أو إيرادات في قائمة الدخل Income Statement، ممّا يعكس تأثيرها على الربحية دون التأثير على التدفقات النقدية الفورية.
مثال: شراء شركة كمية من السلع بقيمة 10,000 دولار. إذا انخفضت قيمة هذه السلع في السوق إلى 8,000 دولار، ستقوم الشركة بتسجيل 2,000 دولار كخسارة من انخفاض قيمة المخزون، ممّا يُقلّل من أرباحها الصافية.
التأثير على البيانات المالية
تلعب البنود غير النقدية دورًا مهمًا في تشكيل البيانات المالية للشركة، والتأثير على الأرقام المعلنة وتوفير تمثيل أكثر دقة لأدائها الاقتصادي. فيما يلي كيفية تأثير البنود غير النقدية على كل من البيانات المالية الرئيسية:
- الميزانية العمومية
تؤثر البنود غير النقدية بشكل مباشر على أقسام الأصول والالتزامات في الميزانية العمومية للشركة. على سبيل المثال، يؤدي الاستهلاك إلى تقليل القيمة الدفترية للأصول الملموسة، في حين تؤثر التغيرات في القيمة العادلة على القيم المعلنة للاستثمارات أو الأدوات المالية.
- قوائم الدخل
تُخصم النفقات غير النقدية من الإيرادات لحساب صافي الدخل. بالرغم من أن هذه البنود لا تنطوي على تدفق نقدي إلى الخارج، إلا إنها تعكس التكلفة الاقتصادية الحقيقية لممارسة الأعمال التجارية.
- بيان التدفقات النقدية
تتضمن بيانات التدفق النقدي كلا من المعاملات النقدية وغير النقدية. تعد البنود غير النقدية، خصوصًا تلك التي تنطوي على تغييرات في رأس المال العامل، ضرورية للتوفيق بين صافي الدخل والنقد الناتج من الأنشطة التشغيلية.
أهمية البنود غير النقدية في محاسبة الشركات
تُسجّل البنود غير النقدية في القوائم المالية، ولكن المستثمرين يعتقدون أن جميع الأمور تسير على ما يُرام ويتجاهلونها، لكن يجب أحيانًا النظر إلى تلك البنود بنظرة شك، مثلها مثل جميع مجالات المحاسبة المالية.
يُعد ارتباط عدم اليقين بالبنود غير النقدية من أهم مخاطرها؛ لأنها تُبنى على توقعات مستقبلية لا تتحقق، وتتأثر بتجارب سابقة لا تُمثل الواقع الحالي. لهذا السبب، يُواجه مُستخدمو المحاسبة التراكمية انتقادات مستمرة لجهة عدم دقة تقديراتهم للمصروفات والإيرادات، سواء كان ذلك ناتجًا عن سوء تقديرٍ متعمدٍ أم لا.
تحظى البنود غير النقدية بأهمية لكونها:
- فهم الشركة وقياس ربحها الدقيق
يعتمد المستثمرون على البيانات المالية للشركة لتقييم صحتها المالية وأدائها، إذ توفر البنود غير النقدية فهمًا أكثر دقة لأرباح الشركة ومركزها المالي. كما تساعد البنود غير النقدية في قياس الربحية الحقيقية للشركة من خلال حساب التكاليف الاقتصادية المرتبطة بالعمليات، حتى لو لم تغيير الأموال النقدية في وقت لاحق.
- تحليل التدفق النقدي للشركة
تلعب البنود غير النقدية دورًا فعالًا في التوفيق بين صافي الدخل والتدفقات النقدية من الأنشطة التشغيلية، وتُعد هذه التسوية أمرًا حيويًا لفهم قدرة الشركة على توليد النقد من عملياتها التجارية الأساسية.
- الموازنة بين الصناعات
تسهل البنود غير النقدية إمكانية الموازنة بطريقة أفضل بين الشركات في مختلف الصناعات، ويتيح تعديل المعاملات غير النقدية إجراء تقييم أكثر دقة لأدائها المالي.
- التحديات والاعتبارات
بالرغم من أن البنود غير النقدية تعزز دقة التقارير المالية، إلا أنها تشكل أيضا تحديات من ناحية التفسير وقابلية الموازنة. يمكن أن يكون لدى الشركات سياسات محاسبية مختلفة للاعتراف بالبنود غير النقدية، وفهم هذه السياسات أمر مهم للتحليل الدقيق.
الخاتمة
تعرفنا على البند غير النقدي، وهي فئة من المعاملات التي تؤثر على البيانات المالية للشركة دون أن تنطوي على تبادل النقد الفعلي، ويُظهر ازدياد اعتماد القطاع المصرفي على البنود غير النقدية تحوله نحو المعاملات الرقمية والمنتجات والخدمات المالية المُبتكرة، وتلعب هذه المعاملات، من المدفوعات الرقمية إلى أنشطة الصرف الأجنبي، دورًا هامًا في تشكيل البيانات المالية للبنوك (أصولها والتزاماتها وإيراداتها). بالرغم من استمرار القطاع في مواكبة التطورات التكنولوجية والمتطلبات التنظيمية، إلا أهمية البنود غير النقدية تبقى جوهرية، ممّا يعكس التحول الدائم في طريقة عمل المؤسسات المالية وخدمة عملائها.