يُعد التحليل المالي بمفهومه الحديث وليدًا للظروف التي نشأت في مطلع الثلاثينات من هذا القرن، وهي الفترة الزمنية التي تميزت بالكساد الكبير الذي سيطر الولايات المتحدة الأمريكية، والذي أدت ظروفه إلى الكشف عن بعض عمليات الغش والخداع التي مارستها بعض إدارات الشركات ذات الملكية العامة، الأمر الذي ألحق الضرر بالمساهمين والمقرضين على حد سواء، مما أدى إلى تدخل المسؤولين، وفرض نشر المعلومات المالية عن مثل هذه الشركات، وأدى نشر هذه المعلومات إلى ظهور وظيفة جديدة للإدارة المالية في تلك المدة، وهي وظيفة التحليل المالي.
اكتسب التحليل المالي منذ ذلك الحين مزيدًا من الأهمية لدى العديد من مستعمليه، نظرًا لما يقدمه لهم من معلومات مهمة في معظم الحالات التي يتناولها، وكانت البنوك التجارية واحدة من الجهات التي أولت التحليل المالي أهمية خاصة، وذلك بعد أن ثبت لها جدوى هذه الوسيلة كأداة ذات ميزات جيدة، تقدم مساعدة لا بديل عنها عندما يرتبط الأمر باتخاذ قرار تسليفي من نوعية جيدة.
فوائد التحليل للشركات
التحليل أداة قوية يمكن أن توفر العديد من الفوائد للأفراد والمؤسسات. تسمح عملية تقسيم المعلومات المعقدة إلى أجزاء أصغر وأكثر قابلية للإدارة بفهم أعمق للبيانات ويمكن أن تؤدي إلى تحسين عملية اتخاذ القرار. تتضمن بعض الفوائد الرئيسية للتحليل ما يلي:
- تحديد الاستثمارات المربحة
يسمح التحليل للمستثمرين بتحديد الاستثمارات المربحة من خلال تحليل البيانات المالية واتجاهات السوق. من خلال تحليل البيانات المالية للشركة مثل بيانات الدخل والميزانية العمومية وبيانات التدفقات النقدية، يمكن للمستثمرين تحديد الاتجاهات في الإيرادات والأرباح والتدفقات النقدية. بالإضافة إلى ذلك، من خلال تحليل وضع الشركة في السوق والمنافسين واتجاهات الصناعة، يمكن للمستثمرين تحديد الشركات التي تتمتع بميزة تنافسية والتي تتمتع بمكانة جيدة للنجاح في المستقبل.
- تقييم المخاطر
يسمح التحليل للمستثمرين بتقييم المخاطر من خلال تحليل البيانات المالية واتجاهات السوق. من خلال تحليل البيانات المالية للشركة، يمكن للمستثمرين تحديد الاتجاهات في مستويات الديون والرافعة المالية، والتي يمكن أن تشير إلى مستوى المخاطر المرتبطة بالهيكل المالي للشركة. بالإضافة إلى ذلك، من خلال تحليل اتجاهات السوق، يمكن للمستثمرين تحديد المخاطر والفرص المحتملة المرتبطة بالقطاعات المختلفة وفئات الأصول.
- تقييم الأداء المالي
يسمح التحليل للمستثمرين بتقييم الأداء المالي للشركة من خلال تحليل البيانات المالية مثل بيانات الدخل والميزانية العمومية وبيانات التدفق النقدي. من خلال تحليل إيرادات الشركة وهوامش الربح، يمكن للمستثمرين تحديد الاتجاهات في ربحية الشركة. بالإضافة إلى ذلك، من خلال تحليل مستويات ديون الشركة والتدفقات النقدية، يمكن للمستثمرين إجراء تنبؤات حول قدرة الشركة على الوفاء بالتزاماتها المالية وتوليد التدفق النقدي.
- مراقبة اتجاهات السوق
يسمح التحليل للمستثمرين بمراقبة اتجاهات السوق من خلال تحليل بيانات السوق. من خلال تحليل الاتجاهات في سوق الأوراق المالية وسوق العملات وسوق السلع وسوق العقارات والمؤشرات الاقتصادية مثل الناتج المحلي الإجمالي والتضخم ومعدل البطالة، وما إلى ذلك، يمكن للمستثمرين تحديد الأنماط والتنبؤ بتحركات السوق المستقبلية.
- تنويع المحفظة الاستثمارية
يسمح التحليل للمستثمرين بتنويع محافظهم من خلال تحديد القطاعات المختلفة وفئات الأصول والاستثمارات المختلفة التي قد تعمل بشكل مختلف في ظل ظروف السوق المختلفة. هذا يمكن أن يساعد في تقليل المخاطر وزيادة العوائد.
- تحديد الطريقة الأنسب للدخول والخروج في السوق
يمكن أن يساعد التحليل المستثمرين على تحديد أوجه القصور في السوق، مثل سوء تسعير الأصول، مما قد يوفر فرصًا لاستثمارات مربحة. تحديد نقاط الدخول والخروج وتحسين الأداء
يمكن أن يساعد التحليل المستثمرين في تحديد نقاط الدخول والخروج للاستثمارات، من خلال تحليل اتجاهات السوق وتحديد أنماط تحركات الأسعار. كما يساعد التحليل المستثمرين على تحسين الأداء من خلال تحديد الأنماط والاتجاهات في البيانات، والتي يمكن أن تؤدي إلى تطوير استراتيجيات جديدة وتنفيذ تقنيات جديدة، والتي يمكن أن تحسن الأداء.
- القدرات التنبؤية
يمكن أن يساعد التحليل أيضًا في عمل تنبؤات حول الأحداث المستقبلية. من خلال تحليل البيانات السابقة، يمكن للمنظمات تحديد الأنماط والاتجاهات التي يمكن استخدامها لعمل تنبؤات حول الأحداث المستقبلية. يمكن أن يساعد ذلك في تحديد المخاطر والفرص المحتملة ووضع استراتيجيات للتخفيف منها.
إطار التحليل المالي
يضم التحليل المالي فرعين، هما:
- التحليل المالي للشركات (المؤسسات).
- تحليل الأوراق المالية.
التحليل المالي للشركات
من أولويات التحليل المالي للشركات Corporate Financial Analysis هي مساعدة المستثمرين والمدراء والأطراف الأخرى في تقييم قرارات الاستثمار الرأسمالي والتمويل والقرارات الأخرى ذات الأثر المالي في وضع الشركة لأن جميع القرارات التي تتخذها الشركة لها آثار مالية، لذا يركز المحللون على تقدير هذه الآثار ووصفها إن لم يستطيعوا تحديدها كميًا.
من المجالات التي يتناولها هذا التحليل:
- القرارات الاستثمارية طويلة الأجل Capital Investment.
- هيكل رأس المال Capital Structure.
- سياسة توزيع الأرباح Dividend Policy.
- إدارة رأس المال العامل Working Capital.
- مصادر التمويل طويلة الأجل Long Term Finance.
- إدارة الالتزامات Liability Management.
- التخطيط المالي Financial Planning.
تحليل الأوراق المالية
تُعد تحليل الأوراق المالية Securities Analysis فرعًا من فروع التحليل المالي وتهدف لمساعدة المستثمرين ومديري محافظ الأوراق المالية في تقييم البدائل الاستثمارية المتاحة. هناك عدة أنواع من تحليل الأوراق المالية، منها:
- التحليل الأساسي Fundamental Analysis: يتضمن هذا النوع من التحليل تقييم الأساسيات المالية والاقتصادية للشركة، مثل البيانات المالية، ونمو الإيرادات والأرباح، والإدارة. كما يتضمن تحليل عوامل الصناعة والاقتصاد الكلي التي تؤثر على أداء الشركة.
- التحليل الفني Technical Analysis: يستخدم هذا النوع من التحليل الرسوم البيانية وبيانات التداول التاريخية والمؤشرات الفنية لتحديد الأنماط والتنبؤ بحركات الأسعار المستقبلية للأوراق المالية.
- التحليل الكمي Quantitative Analysis: يستخدم هذا النوع من التحليل نماذج رياضية وإحصائية لتحليل البيانات المالية والتنبؤ بالأداء المستقبلي.
- التحليل السلوكي Behavioral Analysis: يركز هذا النوع من التحليل على دراسة سلوك المستثمرين والمشاركين في السوق وكيفية تأثيره على أسعار الأوراق المالية.
- التحليل المدفوع بالأحداث Event-Driven Analysis: يركز هذا النوع من التحليل على أحداث معينة، مثل عمليات الدمج والاستحواذ وإعلانات الأرباح، والتي يمكن أن يكون لها تأثير كبير على سعر الورقة المالية.
- التحليل البيئي والاجتماعي والحكومي Environmental, Social, Governance Analysis: ويشار إليه أيضًا ESG Analysis وهو نوع من أنواع التحليل التي تهتم بتقييم أداء الشركة فيما يتعلق بالعوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة التي يمكن أن تؤثر على أداء الشركة وسمعتها.
من المهم ملاحظة أنه يمكن استخدام أنواع مختلفة من تحليل الأوراق المالية معًا لاكتساب فهم أكثر شمولاً للأوراق المالية وأدائها المحتمل.
أنواع التحليل المالي
هناك عدة أنواع عديدة من التحليل المالي، لكل منها غرض وتركيز محدد. تقوم بعض أنواع التحليل بفحص الأداء السابق للشركة لتحديد الأنماط والعلاقات التي يمكن أن توفر نظرة ثاقبة على أدائها المستقبلي. بينما تركز أنواع تحليل أخرى، على الوضع المالي الحالي للشركة والقدرة على الوفاء بالتزاماتها المالية.
بشكل عام، يعد التحليل المالي أداة مهمة للمستثمرين والمديرين وأصحاب المصلحة الآخرين لتقييم الحالة المالية للشركة واتخاذ قرارات مستنيرة.
بحسب الجهة المنفذة للتحليل المالي
يشمل التحليل المالي نوعان أساسيان طبقا لهذا التصنيف، وهما التحليل المالي الخارجي والداخلي.
- التحليل المالي الداخلي Internal Financial Analysis
يُنفذ أشخاص لديهم الصلاحيات للوصول إلى سجلات المحاسبة الداخلية داخل منظمة معنية، ويُنفذ المدراء التنفيذين والمسؤولين في قسم المحاسبة أو المالية هذا التحليل بالإضافة إلى الوكالات الحكومية التي تملك سلطات قانونية تخول لها إجراء هذا النوع من التحليل.
- التحليل المالي الخارجي External Financial Analysis
ينفذ في هذا النوع من التحليل أشخاص أو جهات خارجية ومن وجهة نظر مستقلة، وبالتالي لا يملكون الحق للوصول لكامل سجلات المحاسبة الداخلية التفصيلية للمنظمة، تعتمد الجهات الخارجية غالبًا على البيانات المالية المنشورة للعلن، لذا فإن اللوائح الحكومية التي تطلب من المنظمات الإفصاح عن معلوماتها المالية، تخدم كثيرًا موقف التحليل المالي الخارجي وتساهم في تحسينه.
ويُعد المستثمرين أو الحاليين المحتملين من الأمثلة على الجهات الخارجية التي تؤدي هذا النوع من التحليل، بالإضافة للوكالات الحكومية ووكالات الائتمان والجمهور العام.
بحسب الفترة الزمنية للتحليل المالي
يشمل التحليل المالي نوعان أساسيان طبقًا لهذا التصنيف، وهما التحليل المالي طويل الأجل والتحليل المالي قصير الأجل.
- التحليل المالي طويل الأجل Long-term Analysis
فيتركز اهتمام التحليل المالي في هذا النوع على الفترات الزمنية المستقبلية طويلة الأجل، فيدرس قدرة المنظمة على الوفاء بكلًا من تكاليف الفوائد التي تتحملها مقابل الحصول على تمويل محدد، بالإضافة إلى جداول السداد لهذا الالتزام طويل الأجل، ويقيس هذا النوع من التحليل من خلال أدوات محددة، كالملاءة المالية والاستقرار والربحية.
- التحليل قصير الأجل Short-term Analysis
يهتم هذا النوع من التحليل باتخاذ القرارات التي تخص المدة الزمنية قصيرة الأجل، أي أنه يساعد على قياس وإدارة مركز السيولة للمنظمة، ومعرفة مدى قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الحالية قصيرة الأجل، وعلى هذا الأساس تُتخذ الإجراءات والسياسات المناسبة.
أنواع التحليل بحسب الاتجاه الثبات والحركة
يشمل التحليل المالي للاتجاهات نوعان أساسيان، وهما التحليل المالي الأفقي والتحليل المالي الرأسي.
- التحليل الأفقي Horizontal Analysis
يوازن التحليل الأفقي البيانات المالية للمنظمة المحددة لعدة سنوات، إذ لابد من موازنة أرقام السنوات المختلفة بالسنة القياسية أو سنة الأساس التي تُختار كنقطة بداية، وسُمية بالتحليل الديناميكي أو التحليل المتحرك، لإنه يعتمد على البيانات المالية من سنة إلى أخرى عوضًا عن اقتصاره على سنة واحدة فقط.
ومن الضروري توضيح أسباب الفروقات الكبيرة في الأرقام بين سنة الأساس والسنوات الأخرى عند الموازنة بين البنود الرئيسية في القوائم المالية، إذ يساعد التحليل الأفقي على معرفة مدى الثبات والنمو والتراجع في العناصر المراد تحليلها خلال الزمن، حتى يتسنى لأصحاب القرار اكتشاف سلوك المنظمة ومن ثم تقييم مدى نشاطها وإنجازاتها عبر السنوات.
- التحليل الرأسي Vertical Analysis
يهتم التحليل الرأسي بدراسة العلاقة بين العناصر المختلفة في البيانات المالية لمدة محاسبية واحدة. يوازن التحليل الرأسي الأرقام من البيانات المالية للسنة بقاعدة مختارة من بيان العام نفسه، بعكس التحليل الأفقي الذي يدرس العلاقة لفترات محاسبية متعددة. لذلك يُسمى التحليل الرأسي بالتحليل الثابت أو الساكن، ويعرف أيضًا بالتحليل العامودي الساكن
يذكر أن التحليل الرأسي يساعد المنظمة لمعرفة نقاط ضعفها وقوتها، ولكن نظرًا لاقتصاره على مدة زمنية واحدة، فيكون في معظم الأحيان غير كافي للحكم على أداء المنظمة وبالتالي من الأفضل دمجه مع التحليل الأفقي لجعله أكثر قوة وفعالية.
التصنيف الرابع: أنواع التحليل المالي في الأسواق المالية
يشمل التحليل المالي نوعان أساسيان طبقًا للأنواع المستخدمة في الأسواق المالية بشكل خاص، وهما التحليل الفني والتحليل الأساسي.
- التحليل الفني Technical Analysis
يهتم التحليل الفني Technical Analysis بدراسة حركة الأسعار للأوراق المالية عن طريق الاستعانة بتحليل البيانات التاريخية التي تكون واضحة على الرسوم البيانية والمؤشرات الفنية الأخرى، ومن ثم يمكن للقائم بالتحليل الفني أن يتنبأ بحركة اتجاه الأسعار في المستقبل، بدون النظر إلى العوامل المؤثرة أي المُسببات في هذه الحركة، وغالبًا ما يُستعمل التحليل الفني من قبل المضاربين في الأسواق المالية الذين يهتمون بتحديد سعر الورقة المالية أثناء المدى القصير.
- التحليل الأساسي Fundamental Analysis
يهتم التحليل الأساسي Fundamental Analysis بمعرفة المُسببات فهو يدرس ويحلل الظروف المحيطة المؤثرة في تحركات الأسعار، ففي سوق العملات يدرس المحلل الأساسي كل العوامل السياسية والاقتصادية للدولة صاحبة العملة لكي يتمكن من تحديد السعر المستقبلي.
وفي سوق الأسهم يدرس المحلل المالي، القوائم المالية لشركة محددة ومستويات العائد والمديونية ونسب السيولة والتشغيل حتى يستطيع من تكوين صورة كاملة عن قوة سهم هذه الشركة باعتباره أصل مالي، ويستعمل مستثمري المدى الطويل التحليل الأساسي الذين يحتفظون بالسهم أو بالورقة المالية لمدة زمنية طويلة تصل إلى بضع سنوات.
- التحليل الكمي Quantitative Analysis
يركز نهج التحليل الكمي Quantitative Analysis على التحليل الرياضي والإحصائي للأوراق المالية لتعيين قيمة الأصل المالي، مثل الأسهم أو عقود الخيارات. يستعمل محللو التداول الكمي مجموعة مختلفة من البيانات مثل بيانات الاستثمار وسوق الأوراق المالية التاريخية لتطوير خوارزميات التداول والنماذج الحاسوبية.
أتاح صعود تطور إمكانيات المعالجة الحاسوبية لكميات هائلة من البيانات وبسرعة كبيرة لصعود استراتيجيات تداول كمية معقدة بصورة متزايدة، إذ يسعى المتداولون إلى تحديد أنماط متسقة ونمذجة تلك الأنماط واستخدامها للتنبؤ بحركات أسعار الأوراق المالية. يحاول المحللون الكميون تنفيذ استراتيجياتهم باستخدام البيانات المتاحة للجمهور. يمكنهم تحديد الأنماط من إعداد محفزات تلقائية لشراء أو بيع الأوراق المالية.
الخاتمة
تعرفنا على تصنيفات التحليل المالي، ومهما تعددت تصنيفات التحليل المالي واختلاف أنواعه ما هو إلا مؤشر واضح لأهمية تبنيه من قِبَل جميع المنظمات التي تريد أن تصل لمستويات متقدمة من النجاح، فالتحليل المالي أشبه ما يكون بجهاز الإنذار المبكر والحارس الأمين للمنظمة، لاسيما إذا اختارت المنظمة النوع الأمثل واستخدمته بكفاءة وفعالية كبيرة.